5 شباط 2021 | 15:21

كتب خيرالله خيرالله

من تفجير مرفأ بيروت... الى اغتيال لقمان

المصدر: خيرالله خيرالله

ليس ما يعطي فكرة عن حجم الفراغ في لبنان اكثر من مرور ستة اشهر على ‏تفجير مرفأ بيروت. جاء اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم المعارض الشيعي ‏الشرس لـ"حزب الله"، في الرابع من شباط – فبراير الجاري، أي في ذكرى مرور ‏ستة اشهر على تفجير المرفأ، ليؤكّد الفراغ اللبناني على مستوى السلطة السياسية ‏من جهة ووجود مرجعية أخرى للبنان خارج مفهوم الدولة ومؤسساتها من جهة ‏اخرى.‏

مرت ستة اشهر، على تفجير المرفأ من دون ان تكون هناك إشارة ولو بسيطة ‏تصدر عن الأجهزة الرسمية تشرح للبنانيين ما الذي حصل في ذلك اليوم المشؤوم. ‏كلّ ما في الامر ان الإنجاز الوحيد الذي حقّقه "العهد القويّ"، أي "عهد حزب الله" ‏الذي على رأسه ميشال عون وصهره جبران باسيل، يتمثل في منع حصول تحقيق ‏دولي في كارثة ضخمة. تسببت تلك الكارثة بمقتل ما يزيد على 200 شخص ‏وسقوط مئات الجرحى. هناك احياء بكاملها دمّرت. معظم هذه الاحياء يسكنها ‏مسيحيون فقراء. فوق ذلك كلّه، لحقت اضرار هائلة بحيي الجميزة وما ومخايل ‏حيث كانت توجد مئات المطاعم والحانات الصغيرة التي وفرت فرص عمل لآلاف ‏الشبان اللبنانيين. من هذا المنطلق، ثمّة حاجة الى تحقيق دولي في كل ما يحصل ‏في لبنان. من تفجير المرفأ... الى اغتيال لقمان سليم.‏

كشف "العهد القويّ" الى ايّ حد هو عاجز. اكثر من ذلك، كشف كم ان هذا العهد ‏غير مهتم بمصير اللبنانيين وانّ هدفه الوحيد ان يخلف جبران باسيل ميشال عون ‏في قصر بعبدا بايّ ثمن كان. ليس مهمّا ما يحل بلبنان واللبنانيين ولا ما يحلّ ‏بالمسيحيين الذين يبحثون حاليا عن مكان يهاجرون اليه بفضل الإنجازات التي ‏تحققت منذ 31 تشرين الاوّل – أكتوبر من العام 2016 تاريخ انتخاب مرشّح ‏‏"حزب الله" رئيسا للجمهورية.‏

يختزل تفجير مرفأ بيروت، وصولا الى اغتيال لقمان سليم، المأساة اللبنانية بكلّ ‏ابعادها. مطلوب قبول اللبنانيين بالامر الواقع المتمثّل في ان لا وجود لمن يريد ‏تحمّل مسؤولياته في السلطة. على العكس من ذلك، هناك هرب دائم من ‏المسؤوليات ومن الحقيقة في بلد يطالب فيه "التيّار الوطني الحر" (حزب رئيس ‏الجمهورية وصهره) بالثلث المعطّل في أي حكومة يشكّلها سعد الحريري. ليس ‏معروفا ما المطلوب عمله بهذا الثلث المعطل في حين لا يتجرّأ أي "عوني" على ‏شرح لماذا لا توجد كهرباء في البلد على الرغم من ان الفريق "العوني" التابع ‏لرئيس الجمهورية وصهره يسيطر على وزارة الطاقة منذ 12 عاما. اليست هذه ‏الأعوام كافية كي يكون هناك كهرباء في لبنان؟

يعبّر تفجير مرفأ بيروت واسكات أي شيعي يخرج عن ثقافة القطيع عن رغبة ‏واضحة بالانتهاء من لبنان على يد مجموعة لا تؤمن بالبلد. في عهد هذه المجموعة ‏التي تسمّى بـ"العونيين" انهار القطاع المصرفي وانهار التعليم وقضي علي أي امل ‏في ان يعود لبنان مستشفى العرب. لم يعد في لبنان سائح واحد. يعيش لبنان في ظلّ ‏عزلة عربية لا سابق لها، ليس هناك بلد عربي محترم مستعد لاستقبال ميشال ‏عون. الأسوأ من ذلك كلّه ان رئيس الجمهورية يبدي استياءه من الزيارات التي ‏يقوم بها رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري للخارج. كان سعد الحريري أخيرا ‏في مصر وقبلها في دولة الامارات العربيّة المتحدة التي انتقل منها الى تركيا قبل ‏نحو شهر.‏

هل عيب ان تكون هناك شخصية لبنانية مفتوحة لها أبواب العالمين العربي وغير ‏العربي؟ في الواقع، انّ لبنان في وضع لا يحسد عليه بعدما انكشفت حقيقة "العهد ‏القويّ" ولماذا كلّ هذا الإصرار لدى "حزب الله" على الاتيان بميشال عون رئيسا ‏للجمهورية. لم تعد هناك اسرار في لبنان. اغلق "حزب الله"، الذي ليس سوى لواء ‏في "الحرس الثوري" الإيراني مجلس النواب سنتين ونصف سنة كي يفرض ‏ميشال عون رئيسا للجمهورية. اكتشف الحزب ان ميشال عون يكره رفيق ‏الحريري وما حقّقه رفيق الحريري للبنان ولبيروت اكثر مما يكرهه هو. يكنّ ‏ميشال عون حقدا على رفيق الحريري اكثر من الحقد الذي كان يكنّه له الموالون ‏للنظام السوري، على رأسه بشّار الأسد، لرئيس الوزراء الراحل الذي فُجّر موكبه ‏في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005. يبدو كلّ هذا الكره والحقد على رفيق ‏الحريري سبب اكثر من كاف كي يصبح ميشال عون رئيسا للجمهورية.‏

كان مطلوبا الّا يكون هناك تحقيق دولي في تفجير ميناء بيروت. كانت حجة ميشال ‏عون، الذي تلقّى تقريرا قبل عشرين يوما من التفجير عن المواد الخطرة الموجود ‏في مرفأ بيروت، أن التحقيق الدولي سيأخذ وقتا طويلا. وعد اللبنانيين بتحقيق ‏سريع. ها قد مضت ستة اشهر على يوم الرابع من آب – أغسطس 2020 ولا ‏وجود لتحقيق ولاي امل في معرفة ما الذي حصل حقيقة. كلّ ما هناك ان اللبنانيين ‏يبحثون عن مكان يهاجرون اليه... ولو الى الاسكا!‏

كان التحقيق كفيلا بكشف من خزّن اطنان الامونيوم طوال سنوات في عنابر مرفأ ‏بيروت ومن جاء بالامونيوم ومن حماه ومن نقل قسما منه الى خارج المرفأ. كان ‏التحقيق الدولي سيحدّد الجهة المسؤولة عن الجريمة الكبيرة في حق عاصمة لبنان ‏ولبنان نفسه...‏

صحيح ان التحقيق الدولي كان سيأخذ وقتا، لكنّ الصحيح أيضا انّه كان سيكشف ‏الحقيقة. لقد نجح ميشال عون حيث فشل اميل لحّود الذي لم يستطع منع التحقيق ‏الدولي في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. في نهاية المطاف، وعلى الرغم من ‏السنوات الطويلة التي استغرقها التحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه ‏وعلى الرغم من العمل البطيء للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، استطاع اللبنانيون ‏معرفة جزء من الحقيقة. استطاعوا معرفة ان قياديا في "حزب الله" اسمه سليم ‏عيّاش لعب دورا في قتل رفيق الحريري.‏

بعد ستة اشهر على تفجير مرفأ بيروت، وفي غياب ايّ معلومات عن المسؤول عن ‏الجريمة، يصحّ التساؤل: لبنان الى اين؟ اذا كان الجواب ان لبنان ذاهب الى ‏الانهيار، فانّ الانهيار حصل. لعلّ التساؤل الأفضل ماذا بعد الانهيار؟ ما الذي يمكن ‏عمله ببلد صار سكانه فجأة فقراء. تعرّض اللبنانيون لسرقة العصر ولديهم رئيس ‏الجمهورية يرفض اخذ العلم بذلك... لا يريد حتّى ان يعرف ما الذي حلّ بمرفأ ‏بيروت وماذا يعني ذلك مستقبلا، اقلّه على صعيد دور لبنان في المنطقة وفي ‏محيطه العربي...‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

5 شباط 2021 15:21