في كل كلمة من كلام البابا فرنسيس عن لبنان أمس، ثمة ما يستحضر إلى الأذهان نداءات البطريرك الماروني بشارة الراعي المتكررة لإنقاذ البلد، حتى بدت تعابيره بمثابة تطويب بابوي لصوت بكركي وصداه السيادي الذي بدأ يتردد في دوائر الفاتيكان ولاقى انعكاساته الواضحة في الفقرة اللبنانية من خطاب البابا أمام أعضاء السلك الديبلوماسي، تشخيصاً لبيت الداء والدواء في المعضلة اللبنانية.
لكن وعلى الرغم من أنّ النداء البابوي تبنى بشكل جلي هواجس بكركي ونداءاتها الوطنية التي لم تلقَ آذاناً صاغية لدى "التيار الوطني الحر" ولم تتقاطع مع أهواء "التيار" وأجندته السياسية، لم يتوان رئيسه جبران باسيل عن محاولة حرف كلام البابا عن مراميه و"التذاكي" عليه، حسبما لاحظت أوساط مسيحية معنية، بحسب "نداء الوطن"، عبر محاولة حصر مفاعيل الخطاب البابوي، على أهميته، في خانة ضيقة تقتصر على الإضاءة على الشق المتعلق بملف النزوح، مقابل التعمية على كل الرسائل المهمة الأخرى التي اختزنها كلام البابا.
في هذا الإطار، طرحت الأوساط جملة تساؤلات وضعت الإجابات عليها في عهدة "التيار الوطني"، وقالت: "حين يحذر البابا اللبنانيين عموماً والمسيحيين بشكل أخصّ من "خطر فقدان الهوية الوطنية والانغماس داخل التجاذبات والتوترات الإقليمية"، ألا يجد رئيس "التيار" نفسه معنياً بهذا الكلام وهو المنغمس في لعبة التجاذبات والتوترات ضمن إطار أجندة إقليمية واضحة المعالم والأهداف في لبنان والمنطقة؟ وعندما يشدد على وجوب إخراج الحضور المسيحي في بلاد الأرز من التقوقع في حيّز "الأقلية" إلى رحاب "شرق أوسط تعددي متنوع"، ألا يصيب هذا الكلام مقتلاً في النهج العوني القائم منذ نشأته على دفع المسيحيين إلى التخندق ضمن "حلف للأقليات" في المنطقة؟.
أما إزاء مقتضيات الخروج من الأزمة اللبنانية الاقتصادية والمقاربة البابوية "طبق الأصل" لمقاربة بكركي في هذا المجال، من خلال مناشدته "الزعماء إلى وضع مصالحهم الخاصة جانباً والالتزام في تحقيق العدالة وتطبيق الإصلاحات"، فهل هناك من هو معني بهذه الرسالة أكثر ممن هم مستغرقون علناً في التعطيل وأجهضوا مبادرة بكركي مراراً وتكراراً لغايات متصلة بتحصيل مكاسب سلطوية وحصد الكراسي الوزارية؟".
وفي سياق متصل، رأت مصادر سياسية في كلام البابا فرنسيس عن لبنان استكمالاً للتطورات الايجابية التي ظهرت في الاسبوع الماضي بعد الحديث عن تقارب أميركي فرنسي بخصوص لبنان، واستغربت أن ينبري رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل للترحيب بهذا الكلام فيما هو يستهدفه في طليعة المعرقلين لتقدم البلد.
وفي حين ربطت المصادر بين حديث البابا والمساعي التي يقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد اعلانه عن استئناف مبادرته لتشكيل الحكومة وإبداء الرغبة بزيارة لبنان، وصف أمين سر البطريركية المارونية في بكركي المطران سمير مظلوم كلام البابا في حديث لجريدة "الأنباء" الالكترونية بأنه "يدل على محبة قداسته للبنان، وفي الوقت ذاته ينم عن قلق كبير من ناحيته تجاه هذا البلد وما يحصل فيه، داعيا المسؤولين فيه الى أن يعوا مسؤولياتهم ومصيرهم، كما يذكرنا بالعلاقات بين الفاتيكان ولبنان عبر التاريخ، فالفاتيكان يعلق أهمية كبرى على هذا البلد الرسالة كما وصفه البابا يوحنا بولس الثاني"، وتمنى مظلوم أن "يساعد هذا الموقف على حلحلة الأزمة، وأن يكون هناك تجاوب من قبل المسؤولين مع هذا النداء، وأن يأخذوا به، لا أن يتجاهلوه، كما تجاهلوا المساعي التي قامت بها بكركي".
الانباء
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.