10 شباط 2021 | 16:48

هايد بارك

رفيق الحريري... الغياب الموجع - هدى علاء الدين

رفيق الحريري... الغياب الموجع - هدى علاء الدين

كتبت هدى علاء الدين: 

16 عاماً مرّت على استشهادك أيها الرفيق، مرّت بكل ما حملته من آلامٍ وأوجاع. 16 عاماً وكأنها الأمس، لا الأحزان خفت ولا الدموع جفت ولا لبنان استطاع تحمل غيابك، وكأن يد القتل والغدر التي طالتك أبت إلا أن تقتل لبنانك معك. فما أصعب غياب الكبار في زمن الانهيار، وما أصعب فقدان الأحرار في زمن الاستعباد.


سطّر رفيق الحريري في حياته إنجازاتٍ رائدةٍ وصنع مجداً خالداً دفع بلبنان إلى مقدمة بلدان الشرق الأوسط، وخلّف وراءه بصمات لا تمحى، وطبع في ذاكرة اللبنانيين صوراً مشرقةً للعديد من المحطات التاريخية والمفصلية، فكان نموذجاً في الوطنية وقدوةً في الانسانية. لم يكن رفيق الحريري مجرّد سياسي عابر أو رجل أعمال عادي، بل كان ذلك الرجل المحنّك والسياسي الفذّ الذي اجتمعت فيه خصال الحكمة والإرادة والقوة، رسم في عقله خارطة طريق للبنان ما بعد الحرب وعمل جاهداً من أجل بنائه، ولم تزده المحاربة السياسية ومحاولات الاغتيال المعنوية إلا عزيمةً وإصراراً على المضيّ قدماً في تحقيق رؤيته.لم يتعب من لبنان ولم يملّ منه، لم يضعف يوماً ولم يشعر بالوهن أبداً، لم يتركه وحيداً في محنه وأزماته، بل كان من أولئك الرجال الذين عملوا دون هوادة. لم يكن رفيق الحريري رئيس وزراء وحسب، إنما كان زعيماً وطنياً تخطّت مكانته حدود بلده، كان ذلك الرجل الذي بنى وطناً لن يموت وشيّد مدرسة لن تُهدم وصنع نهجاً لن يزول.... فكان رجلاً في وطنٍ ووطناً في رجل. 


سنوات مرّت ولا يزال لبنان واللبنانيون يتذكرون تفاصيل ظهيرة ذلك اليوم الأسود الذي سقط فيه لبنان مضرّجاً بدماء رفيق الحريري - رفيق لبنان الذي أحبّه حتى الموت وعشقه حتى الشهادة - تاركاً وراءه أثراً مدوياً وفراغاً قاتلاً في وطنٍ شهد منذ اغتياله هزات سياسية وأزمات اقتصادية عديدة. فغياب من حمل أمانة هذا البلد على كتفيه ومن حوّل أحلام شعبه إلى حقيقة أدخلته في دوّامة لا متناهية من عدم الاستقرار وفي نفق مظلم من الجمود والتعطيل. أعوام ثقيلة مرّت على لبنان المنهك دون رفيق الحريري، الذي دخل عالم السياسة في لحظة استثنائية، فبنى أحلاماً تفوق قدرة أي سياسي على تحقيقها، ونجح في انتشال الوطن من بين الرماد والركام واسترداده من أيدي العابثين به. كان رفيق الحريري صوت الحقّ الذي لا يُعلى عليه والكلمة العاصفة التي ترفض السكون، بادلوه الحب بالكره والمعروف بالخبث والاعمار بالدمار والحياة بالقتل، فكان اغتياله في 14 شباط اغتيال وطن بأكمله.


وها هو لبنان اليوم يدفع ثمن اغتياله باهظاً ليتحوّل من بلد الأحلام والفرص الذهبية إلى بلد الانهيار والأزمات. غاب رفيق الحريري صانع لبنان الحديث وزعيمه السني المعتدل ورجل مهماته الصعبة وصمّام أمنه وأمانه، ليفقد بغيابه بوصلته التي كانت تجمع الأعداء والاضداد على قلب وطن واحد، واليد البيضاء التي كانت تمتدّ إليه في كل مرة لتزيل عنه لعنة الحرب وهمجية الأعداء وكيد الكارهين له. رحل قالب الموازين لتعود برحيله عقارب الساعة إلى الوراء ثلاثين عاماً وأكثر، فلبنان الذي عرف في زمنه سلماً وعمراناً يغرق اليوم في أسوأ أزماته.

رحل من كان في زمن تهميش الللبنانيين نقطة قوتهم وفي زمن خوفهم مصدر أمنهم، وفي زمن الحرب والالغاء رجل الاعمار والبناء. فما أشبه اليوم بالأمس وما أسوأ التاريخ عندما يعيد نفسه من دون منقذٍ اسمه رفيق الحريري. لكم يحتاج لبنان اليوم إلى رفيق الحريري، إلى رؤيته واستقامته ونزاهته، إلى قدرته على إيجاد الحلول وخلق المبادرات. ولكم يحتاج إلى تلك الكاريزما التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، إلى تلك الشخصية الوطنية المنفتحة على كل الطوائف والمذاهب، إلى ذاك الفكر السياسي والعقل المدبّر القادر على استشراف المستقبل والمشاركة في صنعه. فلبنان بعد رفيق الحريري ليس كما كان معه.... لبنان بعده في حضرة الغياب الموجع.


16 عاماً مرت وما زال اسمك الأكثر تداولاً وصورتك الوطنية راسخة في وجدان محبيك. 

16 عاماً ولا يزال إرثك شاهداً على إنجازات ومحطات مضيئة لن يستطيع المغرضون محوها مهما حاولوا انتقادها ومهاجمتها. 

16 عاماً ولبنان الجريح والمصبوغ بلون الدماء والملوّث بغبار الحقد والكراهية، يفتقدك اليوم أكثر من أي وقت مضى. 

16 عاماً وما زال لبنانك أيها الرفيق يناديك ....

تمر السنون والحاجة اليك تشتد، فقد طال رحيلك وأنت ما عودتنا سفرا. 

تمر السنون ويبقى من عظيم الوفاء لذكراك قسمٌ منا ووعدٌ لك أن نبقى على نهجك سائرون ولقضيتك ناصرون ولخلفك ساندون وللبنانك حافظون.

تمر السنون وتبقى أيها الشهيد الأكثر حضوراً من بين كل الحاضرين، والأكثر حياة من بين كل الأحياء.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

10 شباط 2021 16:48