13 شباط 2021 | 17:21

هايد بارك

لا وطن أصغر من مواطنه - جودي علام

كتبت جودي علام (*)

سيدي الرئيس،

أرمي سلامي عليك، على روحك، وعلى ذكراك...

يوم أتيت، وقفت على رماد الحرب وخراب البلاد لتوقف العدّ، لترسم حلماً، ولتبني وطناً...

ويوم ذهبت، وقفنا متضامنين، مسلمين ومسيحيين، للحفاظ على ما بقي من الوطن، وحينها عدنا نعدّ...

رثوتك منذ عامين مجروحة باكية قائلة:

"من منا لا يذكر صوت ذلك الانفجار المفصلي؟ انفجار لم يكن دويّه يشبه أي دويّ، دويّه لا زال يصدع حتى الآن، وسيبقى يصدع..."

سيدي الرئيس،

عزيزٌ عليّ أن أخبرك، في ذكرى استشهادك السادسة عشرة، أنّ صوت انفجار آخر قد صدع، وأنّ جروحنا لم تلتئم، وأنّ دموعنا تعجز أن تجف...

عزيزٌ عليّ أن أخبرك، أننا بكينا بيروت مرتين:

مرّةً عند اغتيال من عمّرها، ومرّةً عند اغتيال ما عُمِّر، فكلّ ما فيها من أحلامٍ قد دُمّر...

سيّدي الرئيس،

عاد لبنانك كما كان يوم وصولك إلى أحضانه،

مبانٍ مدمّرة، أهالٍ خائفة مذعورة، ظلمٌ متفلّتٌ كالسّلاح، سلاحٌ تخطّى القلم، ألمٌ عميق، شبابٌ يفتّش عن مصرف، مصارف فارغة، مؤسسات متوقفة إلا عن الفساد، وباء ومرض مستشرٍ، جوعٌ كافر، فقر مدقع، ودموع غزيرة غزيرة...

سيّدي الرئيس،

ألم تقل أنّ لبنان هو الوطن والفكرة والنموذج والمختبر والمثل والمثال لشعوب العالم؟؟

يؤلمني إخبارك أنّ شعوب الأرض جميعاً تستقبل شباب لبناننا هاربين من كل ما فيه من أفكار ونماذج ومختبرات وأمثلة، هاربين من كل ما فيه من حقد وجراح وأشلاء وظلم وآلام...

أيعقل أن يُقتل المرء مرتين؟

نعم، فقد قُتلت بلادي كثيراً...

والقاتلُ كان واحداً...

سيّدي الرئيس،

لبنان كل يوم يقتل،

مرّة بقتل ثائريه،

ومرّة بخنق كلمة أحراره،

مرّات بحرق ما فيه،

ومرّات بكتم المعارض وأفكاره،

يوماً بقتل أحلامه،

ولحظةً...

في الرابع عشر من شباط، من العام الخامس بعد الألفين، عند الساعة الثانية عشر وخمسة وخمسين دقيقة، باغتيالك...

سيّدي الرئيس،

عزائي الوحيد هي ما ورّثتنا إياه من أفكار، فيقين لدينا أن لا وطن أصغر من مواطنه، ولا مواطن يقبل أن يأتي أيّاً كان ليتلاعب بصيغة العيش المشترك في لبنان...

عزائي الوحيد هو ما ورّثتنا إياه، من خلال سعدك، من علاقات وخطوط اتصال ودبلوماسيات وثقافات...

فكنت نُعم المُوَرّث، وكان نِعم الإرث...


(*) عضو في قطاع الشباب في منسقية الضنية في "تيار المستقبل"

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

13 شباط 2021 17:21