كتب كمال دمج (*) :
رفيق الحريري يا وطناً بِلا حدود حَفظَ سيادَتَهُ بِصلابَتِهِ ورصانتِهِ، يا أرضاً خصبةً أنبَتَتْ فأطعَمَتْ فعَلَّمَتْ فعَمَّرَتْ فحَلَّ رحيقُ عطرها سلاماً على الوطن، ويا شَعباً مُتَعدِّدَ الأطيافِ بِدَمٍ واحدٍ نَبضَ بِهِ قلبُكَ واسمُهُ لبنان...
تاريخ ١٤ شباط ٢٠٠٥ بالنسبة لي، أنا كاتب هذه الكلمات، يومُ صدمةٍ وإستغرابٍ وضياع، يومها كنتُ ابن الخمسة أعوامٍ جالساً وسطَ بركانٍ من دموع أهلي وأقاربي وسكان حَيِّي، يومٌ حَلِّ فيهِ رجلٌ غريبٌ ضيفاً عزيزاً إلى البيتِ على هيئة صورة مرفوقة بعلم البلاد مرفوعة على جدران المنزل وفي الخارج وفي البيوت المجاورة وعلى الطرقات...
ومنذ ذلكَ الحين، رَسخَتْ ملامِحُ وَجهِهِ في ذاكرتي وحفظتُ دونَ درايةٍ شعارات تلك المرحلة، وأحببتُ لحنَ اسمِهِ "رفيق الحريري". استَمَرَّتْ وازدادتْ حالَةُ الضياعِ في ذهني مع تطور الأحداثِ التي وبالرغمِ من تعقيداتِها أصَرَّيتُ على الإرتباطِ بِها ولو وجدانِياً، زارعاً في نفسي "بذرة النضال" وشَغَفَ الكَشفِ عَنْ نقابِ تلك المرحلة المشوقة المثيرة لاستغراب طفلٍ لا يملك الإدراك...
فمنذ ١٤ شباط ٢٠٠٥ حتَّى تاريخ كتابة هذه الكلمات، لم يَمضِ يومٌ لم يُذكَر فيهِ على مسمَعي أو لم أذكر أنا أو لم أقرأ عبارة "الرئيس الشهيد رفيق الحريري"، ومَع كُلِّ مَسمَعٍ أو ذِكرٍ أو قراءةٍ أو بحثٍ أو زيارة إلى مؤسسة أو ساحة أو شارع، ومع كُلِّ مطالعةٍ للتاريخ وللرأي المناهض لهذا التاريخ، تَكَشَّفَ النقابُ أكثر فأكثرَ عَنْ روحِ هذا الزائرِ الغريبِ "العزيز"، حَتَّى أصبَحَ صدمَةً لأعيُنِ طِفلِ الخمسة أعوامٍ، وقضِيَّةً تسري في عروقِ "عِشرينِيٍّ" عندَ كُلِّ مقولَةٍ وقرار.
لَقَد حَلَّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري ضيفاً إلى وَطَنِهِ مِنْ بلاد الغربة والبحث عن العلم والإنفتاح، نَعَم لَقَد حَلَّ طيرَ سلامٍ أرسى الهدوءَ بِحِنكَتِهِ وأخمدَ نار النفوس المتناحرة بِحِكمَتِهِ، كَرَّسَ لبنان العيش المشترك والمؤسسات، نَزَعَ السلاحَ وأبدَلَهُ أقلاماً تَخُطُّ بِدَمٍ مِنْ أجلِ لبنان أُفُقاً لا محدوداً من العلم والتطور والإنفتاح على المعارف والحضارات... أصابَ مصالِحَ المتناحرين بالصميم، فلم يقبل إلاَّ بلبنان الواحد السَّيد الحر المستَقِل، لم يقبَل إلاَّ بلبنان الدستور، بلبنان الطامِحِ المخَطِّط لمستقبلٍ متوسِّطٍ وبعيد، ناهياً مبدأ التبعية لمحورٍ إستعماري يأخذ لبنان رهينةً وورقة تفاوضٍ وجزيرة معزولة خاضعة وقاتنيها لرحمته...
فلم يكن باستطاعة "جهة إقليمية" معيَّنة هَضمَ فكرة وواقع "رجل الدولة الجامع" لمعظم الأطراف اللبنانية والعربية والدولية حول شخصه ومشروعه، فكرة وواقع "رجل الدولة القوي" بفكره الحضاري وشعبه المناضل، فخَطَفَتْ طَيرَ السلامِ مِنْ لبنان، لتَزَرَعَ في نفوسِنا الخصبة جميعاً بذوراً مِنَ النضال، لِنُكمِلَ حلم الرفيق، حلمَ لبنان الحبيب... رَحِمَكَ اللَّه يا دولة الرفيق.
(*) عضو قطاع الشباب في منسقية جبل لبنان الجنوبي في تيار "المستقبل"
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.