كتب مروان اسكندر في "النهار":
كنتُ على صداقة وثيقة مع الرئيس رفيق الحريري، وقد كلفني إنجاز دراسات عدة وكان هدفه ان يحقق للبنان قدرة على اعادة تأهيل مدينة بيروت وتأكيد هويتها العربية كي تكون مركز الاستشفاء والدراسة والوساطة المالية في الشرق الاوسط.
كل من عرف رفيق الحريري وطبيعته يعلم انه كان انسانًا متدينًا انما غير متعصب ومدركًا اهمية المسيحيين في حقول التعليم والتطبيب والصحافة والتلفزيون ومسابقة التطورات التقنية دوليًا.
كان الرئيس رفيق الحريري بعد انجاز فيلا واسعة الارجاء على مقربة من الفيلا التي ابتاعها من رفاق حققوا نجاحات في المملكة العربية السعودية، يستقبل في منزله وفي غرفة صغيرة الى يمين مدخل الفيلا السياسيين والناشطين في تنفيذ مشاريعه واصدقاءه، وكنت احظى بترحيب من ابو طارق المساعد الاقرب له، وحينما اطل عليه يخبر الرئيس الحريري بوجودي فتُفسح لي مجالات اللقاء والمباحثة.
وخلال زيارة كنت اتباحث مع رفيق الحريري في تقدم دراسة يقوم بها مكتبي، حضر سعد الحريري الرئيس المكلف. وبعد محادثة سريعة مع والده غادرنا، وتوجهت لرفيق الحريري بالسؤال: كيف تقوّم كفاءات سعد وتوجهاته؟ فأجابني بإيحائه الى رأسه وقلبه، وقال لي: هو يحوز صفاتي بكل تأكيد.
مداخلة سعد الحريري بمناسبة انقضاء 16 عامًا على اغتيال والده كانت نقية وواضحة، وهو بيّن انه ترك لرئيس الجمهورية خيار خمسة وزراء، علمًا ان الدستور لا ينص على ذلك، وبالتأكيد لا ينص على ان رئيس الجمهورية ينتقي الوزراء المسيحيين، فهو رئيس جميع اللبنانيين، وله المشاركة في الرأي. وعدد جلسات الرئيس ميشال عون مع الرئيس المكلف تتجاوز العدد المطلوب للتفاهم، وبعد كل لقاء يطل علينا الناطقون باسم “التيار الوطني الحر” ليتذرعوا بهذه الحجة او تلك والاصرار على حق الرئيس في انتقاء الوزراء المسيحيين.
سعد الحريري بتوضيحه، وبالوثيقة وبالصورة، ابرز ان رئيس الجمهورية ادرج اسماء 10 وزراء محتملين ومنهم من يحوز الكفاءة، لكنهم جميعًا اخضعوا لقاعدة انتقاء خبراء غير ملتزمين بأحزاب او شخصيات سياسية، وسعد الحريري كان ولا يزال متمسكًا بحكومة من 18 وزيرًا يتمتعون بكفاءات علمية واخلاقية تتناسب مع تمنيات المجتمع الدولي وتوجهاته.
لا شك في المعلومات التي توافرت عن التشكيلة من قِبل سعد الحريري لتتناسب خصائصها مع الدور المطلوب منها، اي انقاذ لبنان من السياسات العدمية المتبعة وضمان حسن ادارة مؤسسة الكهرباء التي حمّلت لبنان في عشر سنين، إن نقدًا او مع احتساب الفوائد، نسبة 65% من الدين العام، وكذلك وزارة الاتصالات التي اسهمت في خفض مداخيل الدولة بدل زيادتها، واخفقت في تحسين الخدمات المطلوبة خصوصا الانترنت والهاتف الخليوي، وذلك لتمادي وزير من “التيار الوطني الحر”. ويمكن ان نعتبر كلمة “الحر” انها حرية الوزير في التصرف دون رادع او محاسب، والا كيف يوظف 700 موظف على حساب الدولة وعائدات الاتصالات، وينفق 12 مليون دولار على استئجار مبنى فارغ لم يستعمل مدى سنتين اي مدة عقد الايجار؟
نقول بالتأكيد ان خيار وزير الطاقة المقترح جيد جدًا، وان كفاءاته واخلاقه تؤكد اننا يمكن ان نتوصل الى شبكة متكاملة توفر الكهرباء بكلفة 8-10 سنت مقابل استهلاك كل كيلوواط ساعة بدل تحميل المواطنين مباشرة وغير مباشرة – عبر الاشتراك بالمولدات الخاصة 28 سنتًا لاستهلاك كل كيلوواط ساعة.
واختيار سعد الحريري لوزيرة ثقافة معروفة بإنتاجها الثقافي ومدى علمها وقدرتها على التعليم هو اختيار جيد، في وقت تراجعت جامعاتنا المتميزة بمستويات تدريسها وتخصيصها للمهندسين والاطباء واساتذة الجامعات والمصرفيين الخ.
كذلك اختيار سعد الحريري لاقتصادي متميز بأخلاقه وخبرته وتصرفاته، اي يوسف الخليل، الاستاذ الجامعي سابقًا، والمسؤول عن التحويلات من والى مصرف لبنان، والرجل الذي اسهم في تأمين المسكن الملائم لصيادي الاسماك في صور، وهم في غالبيتهم من غير طائفته، لا يمكن اعتباره الا خيارًا جيدًا.
واختيار الرئيس المكلف لكبير اطباء مستشفى الحريري الذي قام بأوسع الخدمات لمن يعانون من الوباء المتفشي، هو اختيار اكثر من جيد لتولي وزارة الصحة، ولا يمكن الا ان نتذكر ان مستشفى الحريري هو من صلب الاعمال التأسيسية التي اراد رفيق الحريري تأمينها للبنان واللبنانيين. وماذا فعلت الحكومة، وهل حقق العهد جزءًا بسيطًا مما وفره رفيق الحريري للبنان؟
اخيرًا كيف ننسى ان رفيق الحريري بعد انسحاب اسرائيل من بيروت عام 1982 وفر للبنان مساعدات من جلالة الملك فهد لتنظيف المدينة من الركام والاوساخ واستعادة مجالات السير بين مختلف المناطق، كما حصل على مساعدة لتنظيف بيروت من الالغام من قِبل فريق فرنسي متخصص.
اضافة الى الاعمال على الارض، باشر رفيق الحريري دراسة اعادة اعمار وسط بيروت، وازالة الخراب وتأمين المنشآت المشجعة على الاستثمار والعمل في وسط بيروت، وقبل انقضاء 6 اشهر على بدء الاعمال كانت دار الهندسة قد انجزت مشروعًا لإعادة اعمار الوسط، وعلى مر السنوات منذ عام 1993 وحتى تاريخه، ورغم محاصرة الوسط والاضرار بمؤسساته التجارية مدى عام ونصف عام بعد حرب 2006، وهبوط سعر سهم سوليدير من 8 دولارات الى 5 دولارات، اصبح سعر سهم سوليدير اليوم على مستوى 19 دولارًا. وليس هنالك من شركة او مصرف حقق نتائج كهذه. اخيرًا اظهر سعد الحريري انه بعيد عن التمويه في كلامه الموجّه الى المواطنين.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.