خيرالله خيرالله

23 شباط 2021 | 18:18

كتب خيرالله خيرالله

اميركا مع قاعدة إيرانية في اليمن؟

اميركا مع قاعدة إيرانية في اليمن؟

لا يزال السؤال مثيرا للحيرة على الرغم من مرور أسابيع على خروجه الى ‏الواجهة. لماذا إصرار إدارة جو بايدن على رفع الحوثيين (انصار الله) عن قائمة ‏الإرهاب الأميركية، التي ربّما لم يدرجوا عليها أصلا؟

استلحق وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو نفسه وطلب وضع الحوثيين ‏على لائحة الإرهاب قبل ايّام قليلة من انتهاء ولاية دونالد ترامب في العشرين من ‏كانون الثاني – يناير الماضي. لم يتضح بعد هل نجح في ذلك ام لا، لكنّ الامر ‏الثابت انّ إدارة بايدن سارعت الى تأكيد سعيها الى رفع "انصار الله" عن لائحة ‏الإرهاب. كلّ ما يمكن قوله في سياق محاولة تفسير هذا التصرّف ان الإدارة ‏الأميركية الجديدة تسعى، من خلال اليمن، الى طمأنة ايران من دون اخذ في ‏الاعتبار للنتائج التي يمكن ان تترتّب على ذلك، خصوصا في ظلّ العلاقة العضوية ‏القائمة منذ سنوات طويلة بين الحوثيين من جهة و"الجمهورية الاسلاميّة" من جهة ‏أخرى.‏

ما الذي تريده الإدارة الأميركية الجديدة من اليمن الذي عيّنت مبعوثا خاصا له هو ‏تيموثي ليندركينغ؟ تصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال. لكن الثابت ان هذه الإدارة ‏يمكن ان ترتكب خطأ في غاية الخطورة في حال سعيها الى تحويل جزء من اليمن ‏الى قاعدة إيرانية. ترفض الإدارة ان تأخذ في الاعتبار ان تطورا كبيرا طرأ على ‏علاقة الحوثيين بايران في غضون السنوات العشرين الأخيرة.‏

في البداية، دفع علي عبدالله صالح، الرئيس بين 1978 و 2012، في اتجاه ‏توطيد العلاقة بين الحوثيين وايران في اطار سعيه الى إقامة توازنات تخدم السلطة ‏المركزية في صنعاء في المناطق التي توصف بالزيدية. تقرّب من الحوثيين الذين ‏كانوا يُعرفون في البداية بـ"الشباب المؤمن" من اجل وضع حدّ لتوسّع الاخوان ‏المسلمين والسلفيين في الشمال اليمني.‏

كان علي عبدالله صالح يخشى في تلك المرحلة التجمّع اليمني للإصلاح، وهو ‏الحزب الذي عمل الاخوان بغطاء منه مستخدمين خصوصا عباءة الشيخ عبدالله بن ‏حسين الأحمر شيخ مشائخ حاشد الذي كان على رأس الإصلاح. بعد حرب صيف ‏‏1994 التي انتصر فيها علي عبدالله صالح على الحزب الاشتراكي، الذي كان ‏يحكم الجنوب قبل الوحدة في العام 1990، بدأ الرئيس اليمني السابق يشعر بثقل ‏الاخوان المسلمين وميليشياتهم وتنظيمهم الفعآل. اكتشف أيضا انّهم لم يكتفوا ‏باختراق الجنوب والوسط الشافعيين وصنعاء والمنطقة المحيطة بها فحسب، بل ‏يسعون الى التمدّد في صعدة وعمران ومحيطهما.‏

ما لبث ان انقلب السحر على الساحر عندما اكتشف علي عبدالله صالح ان ايران ‏صارت اقوى منه في الوسط الحوثي وانّ جهوده الهادفة الى احتواء "الشباب ‏المؤمن" باءت بالفشل. تحوّل ولاء الحوثيين من علي عبدالله صالح، الى ايران. ‏اكتشف ذلك في 2004 لدى توقّفه في صعدة في طريقه برّا الى المملكة العربيّة ‏السعودية لزيارة الاماكن المقدّسة في مكّة. في الطريق الى جدّة، قرّر الرئيس ‏السابق القاء خطبة في احد مساجد صعدة بعد صلاة الجمعة. فوجئ بعد انتهائه من ‏الكلام بشباب حوثي يطلق ما يسمّى "الصيحة"، أي "الموت لاميركا، الموت ‏لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للاسلام". بدأت بعد ذلك سلسلة من الحروب ‏مع الحوثيين كانت آخرها في العام 2010. وفي وقت لاحق، عرف "انصار الله" ‏الذين ورثوا "الشباب المؤمن" ان يكونوا المستفيد الاوّل من التحرك الذي قام به ‏الاخوان المسلمين من اجل قلب علي عبدالله صالح في العام 2011 والذي تخللته ‏محاولة لاغتياله نجا منها باعجوبة في الثالث من حزيران – يونيو 2011.‏

توّج الحوثيون انتصاراتهم العسكرية والسياسية بالاستيلاء على صنعاء في 21 ‏أيلول – سبتمبر 2014. لعبوا كلّ اوراقهم بهدوء وثقة بالنفس وصولا الى الانتقام ‏من علي عبدالله صالح عندما اقدموا على تصفيته بدم بارد في الرابع من كانون ‏الاوّل – ديسمبر 2017 في صنعاء. لا يزال "انصار الله" يحتفظون الى اليوم ‏بجثمان الرئيس السابق كما لديهم رهائن. من بين هذه الرهائن أقارب مباشرون ‏لعلي عبدالله صالح.‏

في كلّ يوم يمرّ، يتبيّن ان الحوثيين لا يمكن ان يرضوا باقل من دولة مستقلّة ‏خاصة بهم في شمال اليمن تكون قاعدة صواريخ إيرانية في شبه الجزيرة العربيّة. ‏إنهّم مستمرّون في مشروعهم الذي احبطته جزئيّا "عاصفة الحزم" التي شنّها ‏التحالف العربي ابتداء من آذار – مارس 2015. حال التحالف العربي دون ‏سيطرة الحوثيين على كلّ اليمن، على الشمال والجنوب والوسط وعلى ساحل البحر ‏الأحمر وعلى عدن نفسها.‏

هل تدرك الإدارة الأميركية الجديدة ما على المحكّ في اليمن؟ السؤال يطرح نفسه ‏بحدّة، خصوصا انّ ليس ما يشير الى استعداد "انصار الله" للتراجع عن مشروعهم ‏الذي لا يصبّ في نهاية المطاف سوى في نشر البؤس والتخلّف أينما حلّوا. من ‏يعرف صنعاء واهل صنعاء يدرك مدى الظلم الذي حل بالمدينة والمقيمين فيها من ‏أهلها الأصليين او من الذين جاؤوا اليها من مختلف المناطق اليمنية واستقبلتهم بقلب ‏مفتوح.‏

أسوأ ما في الامر ان الحوثيين لا يبحثون عن تسوية سياسية، اقلّه في هذه الايّام. ‏تشير الانباء المتوافرة الى ان الزيارة الي قام بها أخيرا لطهران مبعوث الأمين ‏العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث لم تؤد الى أي نتائج إيجابية باستثناء انّها اكّدت ‏التصلّب الإيراني.‏

لا يستطيع عاقل تجاهل انّ الحوثيين جزء من النسيج اليمني، مثلما لا يستطيع احد ‏تجاهل انّه لا يوجد لديهم أي مشروع اقتصادي او حضاري باستثناء إقامة كيان ‏سياسي تابع لإيران في شمال اليمن لديه ميناء الحديدة على البحر الأحمر وحدود ‏طويلة مع المملكة العربية السعودية.‏

ليس معروفا بعد هل لدى الإدارة الأميركية الجديدة أي مشروع تسوية لليمن ام ‏تعتقد ان الوجود الإيراني فيها جزء من صفقة كبيرة تنوي عقدها مع "الجمهورية ‏الاسلاميّة"؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

خيرالله خيرالله

23 شباط 2021 18:18