خيرالله خيرالله

27 شباط 2021 | 21:45

كتب خيرالله خيرالله

الاستسلام الأميركي لإيران ليس خيارا...‏

الاستسلام الأميركي لإيران ليس خيارا...‏


تكمن اهمّية الضربة الأميركية لهدف إيراني في سوريا في الرسائل التي يبدو انّ ‏إدارة جو بايدن ارادت توجيهها الى طهران من جهة والى الذين يعتقدون انّ محور ‏المقاومة والممانعة انتصر في المنطقة من جهة اخرى. من بين هؤلاء النظام ‏السوري وبعض التابعين لإيران في العراق ولبنان واليمن والأراضي الفلسطينية. لم ‏ينتصر محور المقاومة والممانعة ولا يمكن له ان ينتصر. يمكن لهذا المحور ان ‏يدمّر في هذه الدولة العربيّة او تلك لا اكثر. لعلّ الدليل الأبرز على ذلك ما حلّ ‏بلبنان الذي يدفع يوميا ثمن الانتصارات التي تحقّقت على حسابه وعلى حساب ‏شعبه ومستقبل ابنائه!‏

تعكس الضربة التي استهدفت "كتائب حزب الله" و "كتائب سيّد الشهداء"، الى ‏رغبة أميركية في عدم الرضوخ لإيران والتعاطي معها على طريقة إدارة دونالد ‏ترامب وان في ظلّ الرغبة في إبقاء باب الحوار مفتوحا من اجل العودة الى الاتفاق ‏النووي. من الواضح، ان الإدارة الأميركية الجديدة تفضل تفادي الذهاب بعيدا في ‏قطع الجسور مع ايران، لكن الرسالة تبدو جليّة لجهة ان لا عودة الى الى أي اتفاق ‏مع ايران من دون توافر شروط معيّنة من بينها الصواريخ الباليستية والمجنّحة ‏وسلوك ايران خارج حدودها. ‏

تشير الضربة، وهي الأولى من نوعها منذ خلافة جو بايدن لدونالد ترامب، الى ان ‏الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة امام ايّ استفزاز إيراني. جاء قصف مواقع ‏لميليشيات مذهبية تابعة لإيران في الأراضي السورية ردّا على قصف هذه ‏الميليشيات، من أراض عراقية القاعدة الأميركية في أربيل. لا وجود، اذا، لطرف ‏أميركي يكتفي بتلقي الضربات الإيرانية والاكتفاء في الوقت ذاته بالاستماع الى ما ‏تطلبه طهران والرضوخ لها.‏

راعت إدارة بايدن اعتبارات عدّة في مقدّمها حكومة مصطفى الكاظمي في العراق. ‏كذلك راعت، ظاهرا، ايران التي لا ترى أي مشكلة في مقتل عراقيين محسوبين ‏عليها يتولون خدمة مصالحها في سوريا...‏

المهمّ الآن، كيف ستتصرّف ايران بعد الضربة التي اكّدت ان لدى إدارة بايدن ‏الرغبة في اللجوء الى القوّة متى ينفد صبرها ، كما اكّدت ان سوريا مجرّد "ساحة" ‏يتصرّف فيها الأميركي والروسي والإسرائيلي والتركي والإيراني كلّ على هواه. ‏ليس مستبعدا اعتماد ايران متابعة سياسة الهرب الى امام في تعاطيها مع الإدارة ‏الأميركية. تقوم هذه السياسة على فكرة انّ الاستفزازات التي تلجأ اليها "الجمهورية ‏الإسلامية" ان عبر العراق او سوريا او لبنان او اليمن ستجبر إدارة بايدن على ‏العودة الى الاتفاق في شأن ملفّها النووي سريعا وان ليس امام الإدارة سوى رفع ‏العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب. اكثر من ذلك، بدأ وزير الخارجية الإيراني ‏محمّد جواد ظريف يطالب بتعويضات أميركية بمليارات الدولارات (الف مليار ‏دولار).‏

اذا كانت الضربة الأميركية كشفت شيئا، فهي كشفت ان ايران سارعت الى اعلان ‏انتصارها، على دونالد ترامب، من دون اخذ في الاعتبار للتعقيدات الداخلية ‏الأميركية التي تحول دون استسلام إدارة بايدن لشروطها. في النهاية، هناك قوى ‏داخل الكونغرس مستعدة في كلّ لحظة لاثارة موضوع ايران وسلوكها والتذكير بانّ ‏العقوبات التي فرضت عليها لا يمكن رفعها بسهولة. إضافة الى ذلك، هناك قوى ‏إقليمية في الخليج والشرق الأوسط ترى نفسها مهدّدة من ايران. لا يستطيع الرئيس ‏الأميركي التأكيد للملك سلمان بن عبد العزيز ان اميركا مستعدة لحماية امن ‏السعودية والتغاضي في الوقت ذاته عن الاعتداءات الإيرانية المستمرّة على المملكة ‏عن طريق الحوثيين في اليمن.‏

عاجلا ام آجلا، سيكون على إدارة بايدن ان تسأل نفسها هل ايران دولة طبيعية كي ‏تعود الى الاتفاق النووي الموقع معها في العام 2015. اذا وجدت إدارة بايدن في ‏ايران دولة طبيعية، فهذا يعني بكلّ بساطة انّ الإدارة نفسها غير طبيعية لا اكثر. ‏فالسؤال الذي سيطرح نفسه في الأسابيع القليلة المقبلة ما الذي تفعله ايران في ‏العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ هل هي عامل استقرار ام عامل تخريب وتدمير في ‏كلّ هذه البلدان العربيّة؟

وضعت الضربة الأميركية ايران امام مفترق. سيتوجب عليها قريبا اخذ العلم بانّ ‏كلّ احلامها في ما يخصّ العودة الأميركية من دون شروط الى الاتفاق النووي ‏ليست سوى أوهام في منطقة تغيّرت كلّيا بين 2015 و 2021. امّا بالنسبة الى ‏إدارة بايدن نفسها، ستكتشف هذه الإدارة انّ سياسة ادارة ترامب لم تكن سياسة ‏خاطئة مع "الجمهورية الاسلاميّة". على العكس من ذلك، يمكن البناء على هذه ‏السياسة بدل الكلام الفارغ عن انّ التمسّك الاميركي بالاتفاق في شأن الملف النووي ‏الإيراني كان افضل من تمزيقه، كما فعل دونالد ترامب في العام 2018. هذا ليس ‏صحيحا نظرا الى ان ايران استغلّت الاتفاق للتمدد في المنطقة عبر ميليشياتها من ‏منطلق انّها تعتبر نفسها قوّة إقليمية تستطيع ان تفعل ما تشاء بمجرّد ابتزازها ‏لاميركا وأوروبا عن طريق مشروعها النووي.‏

تحتاج إدارة بايدن في الأسابيع القليلة المقبلة الى إعادة نوع من التوازن الى ‏سياستها الخليجية والشرق الأوسطية. يفترض بها ان ترى بعينين وليس بعين ‏واحدة. صحيح انّ هناك تحسّسا أميركيا من وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن ‏سلمان بسبب الطريقة الوحشية التي تمّ التخلّص منها من الصحافي السعودي جمال ‏خاشقجي في اسطنبول، لكنّ الصحيح أيضا مثل هذا التحسّس يجب الّا يتحكّم ‏بالسياسة الأميركية في المنطقة، بما في ذلك اليمن. فدول الخليج، في مقدّمها ‏السعودية، في حال دفاع عن النفس في اليمن بسبب الوجود الإيراني فيها. والأكيد ‏في هذا المجال انّ التغاضي عن الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيّرة التي ‏تنطلق من اليمن سيفتح شهيّة طهران على مزيد من الاعتداءات.‏

مثلما انّ على ايران ان تعي ان الإدارة الأميركية ليست في صدد الاستسلام لها، ‏يفترض في إدارة بايدن ان تأخذ في الاعتبار انّ الاستسلام لإيران ليس خيارا ‏اميركيا. إنّه بالطبع ليس خيار دول المنطقة التي عانت وتعاني من العدوانية التي ‏تمارسها "الجمهورية الاسلاميّة" تجاهها يوميا!‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

خيرالله خيرالله

27 شباط 2021 21:45