زياد سامي عيتاني*
قدمت السينما المصرية نماذج لنساء مناضلات، كل واحدة في مجالها، مع تجسيدها لواقع المرأة ومعاناتها ومشاكلها الإجتماعية ذات الصلة بالتقاليد القاسية التي غالباً ما كانت تحد من تقدمها وإنطلاقتها...
فحفلت السينما المصرية بالعديد من الأعمال الفنية التى تنتصر لقضية المرأة وتظهرها بشخصية قوية وناجحة فى مجال عملها وذات كفاءة وجدارة، وبالمقابل نجحت العديد من النجمات في تقديم أفلاماً تعالج وتناصر قضايا المرأة، كما قدمت لها حلولا قد تبدو غير مألوفة في حينه، لكنها في الحقيقة صبت في مصلحة القضية وثبتت أن المرأة قادرة على العمل فى أصعب المهن والتوفيق بين بيتها وعملها.
وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، نستذكر بعض هذه الأعمال تعمقت وأبرزت في معالجة هذا الجانب:
•الأفوكاتو مديحة:
قدمت النجمة الكبيرة الراحلة مديحة يسري فيلما ينتصر للمرأة ولعملها بالمحاماة وهو فيلم "الأفوكاتو مديحة"، والذى تدور أحداثه فى حول "محمد أفندي" ناظر عزبة متعلم ومتواضع و"مديحة" التي تُجسدها مديحة يسري، شقيقته محامية شابة تتعالى على حياة الريف بعدما تطبعت بطباع أهل البندر، لم تراع عادات وتقاليد الريف وتلبس البنطلون والشورت في القرية، وتُبدي استياءها من الطعام ونباح الكلاب ولدغ الناموس، ترغب في العودة للبندر، وافتتاح مكتب للمحاماة، مطالبة بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل، وتمردت على خطبتها من ابن عمها الفلاح غير المتعلم، وحينما أجبرها أخوها على الزواج منه هربت بملابس الزفاف، تبرأ منها شقيقها، وتركها تذهب للبندر لتُقرر مصيرها، حتى اقتنعت أن ابتعادها عن جذورها بالقرية من أجل المدينة يفقدها نفسها.
**
•الأستاذة فاطمة:
فيلم"الأستاذة فاطمة" وهو من أكثر الأفلام التي تثبت نجاح وجدارة المرأة فى مهنة المحاماة، والفيلم إنتاج عام (1952) وإخراج فطين عبد الوهاب، وتأليف علي الزرقاني، بطولة فاتن حمامة، وكمال الشناوى، وتدور أحداثه حول المحامية "فاطمة"، التي يرفض خطيبها "عادل" الموافقة على عملها لعدم إيمانه بقدرتها على النجاح، ولاقتناعه بعدم قدرة المرأة على العمل كمحامية، فتتحدى رأيه لتثبت له أنها متفوقة، وتشتد المنافسة بينهما، إلا أن "فاطمة" لم تكن ناجحة كمحامية، ويتفوق عليها خطيبها، حتى يُتهم في جريمة قتل لوجوده في مكان الحادث، ويطلب منها أن تتولى الدفاع عنه رغم أنها لم تمارس المهنة بطريقة جدية، وتضع "فاطمة" كل جهودها لإثبات براءته، حتى يكلل مجهودها بالنجاح، وتتمكن من معرفة القاتل، ويصدر الحكم ببراءة خطيبها، ويتزوجان، ويقرر أن يجعلها تعمل بالمحاماة.
فيلم قدمه المخرج “فطين عبد الوهاب” والسيناريست “علي الرزقاني”، وسُلط فيه الضوء على عمل المرأة الذي كان محل خلاف في ذلك الوقت.
**
•أنا حرة:
بطلة العمل تبحث طيلة الوقت عن استقلالها، بعيدا عن قيود تراها غير منصفة، فهي ترى أنها تتساوى مع الرجل، على الرغم من تعرضها لانتقادات كثيرة من المجتمع، إلا إنها واجهتها بمنتهى الشجاعة، واحتلت مكانة مرموقة في مجتمعها.
هذا الفيلم يعد أحد روائع المخرج “صلاح أبوسيف”، وقام بكتابة السيناريو الأديب العالمي “نجيب محفوظ”، وهو مقتبس عن رواية للكاتب “إحسان عبد القدوس”، وهو إنتاج عام 1959، وقام ببطولته كل من: لبنى عبد العزيز، شكري سرحان، حسين رياض، زوزو نبيل.
ويتناول الفيلم قضية تحرر المرأة ورغبتها في إثبات وجودها، من خلال (أمينة)، الفتاة صعبة المراس، التي ينفصل والديها، وتذهب للعيش مع عمتها وزوج عمتها، فتتمرد على حياتها معهم، وترفض تسلط المجتمع عليها، والمتمثل في عائلتها الجديدة التي تعيش معها.
حيث ترفض البقاء في المنزل وتعلم فنون الطبخ بعد إنهاء المرحلة الثانوية، وتقرر الالتحاق بالجامعة الأمريكية، ويتغير العالم من منظورها، ولكنها تدرك بعد ذلك معنى الحرية الحقيقي، ويعد من أهم الأفلام التي قدمت نموذجًا للمرأة المصرية، ووضعها في المجتمع في فترة الخمسينيات والستينات، وقدرتها على الإيمان بقدراتها والتطلع لحياة أفضل في المستقبل.
**
•للرجال فقط:
من الأفلام التي إهتمت بعمل المرأة في مجالات مختلفة مقتصرة فقط على الرجال، كان الفيلم الكوميدي "للرجال فقط"، والذي اضطرت فيه البطلتان إلى انتحال شخصية رجلين، ليتمكنا من السفر والعمل في مجال التنقيب عن البترول في إحدى مواقع حفر الآبار في الصحراء، بسبب أن هذه المهنة غير مسموح للنساء للعمل بها، ويتناول الفيلم قدرة المرأة على النجاح وإثبات جدارتها في العمل بالمهن الصعبة، في إطار كوميدي رومانسي.
الفيلم قصة وإخراج “محمود ذو الفقار”، سيناريو وحوار “محمد أبو يوسف”، وقام ببطولته: سعاد حسني، نادية لطفي، حسن يوسف، إيهاب نافع، يوسف شعبان، وهو إنتاج عام 1964.
**
•مراتي مدير عام:
"مراتي مدير عام" الذي قدمته شادية فى مقدمة الأفلام التي انتصرت للمرأة ولقضيتها، فالفيلم يؤكد على تقبل الزوج لعمل زوجته بل وتترأسه بالعمل، ورغم بعض المشاكل والصعوبات يرى الزوج بالنهاية نجاح زوجته وإخلاصها وحبها له بغض النظر أنها مديرته بالعمل.
"مراتي مدير عام" هو أحد إبداعات المخرج “فطين عبد الوهاب”، والسيناريست “سعد الدين وهبة”، وإنتاج “صلاح ذو الفقار”، وهو مأخوذ عن رواية للكاتب “عبد الحميد جودة السحار”، وهو إنتاج 1966، وقام ببطولته: شادية، صلاح ذو الفقار، توفيق الدقن، شفيق نور الدين، كاريمان، وعادل إمام.
إذ يدور الفيلم حول فكرة عمل المرأة ومشاركتها في المجال العام، ويطرح تساؤل ماذا لو كانت المرأة مديرة على زوجها في العمل، ماذا سيحدث؟ وتدور أحداث الفيلم حول (عصمت)، التي يتم تعيينها مديرة لإحدى المصالح الحكومية التي يعمل بها زوجها (حسين)، وبذلك تصبح مديرة زوجها في العمل، ورغم إيمان الزوج بأهمية عمل المرأة ونجاحها، إلا أن الأمر يصبح مختلفا عندما تصبح زوجته هى نفسها مديرته في المصلحة الحكومية، وتحدث الكثير من المواقف بينهم، التي تزيد بدورها الخلاف بين الزوجين، مما يدفع الزوجة لتقديم طلب لنقلها من العمل، إلا أن (حسين) يتدارك خطأه، ويطلب هو الآخر نقله لمقر عمل زوجته الجديد.
•شيء من الخوف:
"فؤادة" هي كلمة السر، فهي قوية، متمردة، ترفض الخضوع والإهانة، حتى لو كلفها الأمر حياتها، وقفت ضد أعوان "عتريس"، وفي النهاية لم ترضخ له رغم حبها الشديد، لتحدث ثورة ضد الطاغية في نهاية المطاف، الفيلم بطولة شادية، محمود مرسي.
في هذا الفيلم يقدم المخرج “حسين كمال” نموذجا مختلفا للمرأة القوية الشجاعة، التي تستطيع الوقوف أمام بطش حاكم القرية الظالم، رغم قصة الحب التى تجمعهما، كما يبرز دور المرأة وقدرتها على تغيير الواقع.
وعلى الرغم من الإسقاطات السياسية التي حملها الفيلم، إلا أن الإشارة فيه إلى تمرد المرأة الريفية كانت هي محور القصة، من خلال قصة (فؤادة)، التي يحبها (عتريس) منذ الطفولة، ولكنه وريث جده في حكم القرية، وبسبب تأثره بشخصية جده الطاغية، تتحول شخصيته لديكتاتور ظالم، ولا يستطيع أحد التصدي له سوى (فؤادة)، التي ترفض الزواج منه، وتثور ضد ظلمه لأهل القرية، ولكن استمرار ظلم (عتريس) يدفع أهل القرية للخروج ضد ظلمه.
قام بكتابة السيناريو “صبري عزت”، وشاركه الكتابة الشاعر الراحل “عبد الرحمن الأبنودي”، والفيلم مأخوذ عن قصة “ثروت أباظة”، إنتاج عام 1969، وهو من بطولة: شادية، محمود مرسي، يحيى شاهين، محمد توفيق.
**
•أريد حلا:
يعتبر فيلم "أريد حلا" واحدا من أهم الأفلام التي أنصفت المرأة المصرية، حيث عرضت مشكلة سيدة تحاول الطلاق من زوجها، وبسبب رفضه وتعسف القانون ضدها، لم تستطيع الطلاق.
وبعد عرض الفيلم تم إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية، وعمل بعض التغييرات التي أنصفت المرأة وصولا بقانون الخلع.
الفيلم بطولة فاتن حمامة، وتأليف حسن شاه، ومن إنتاج عام 1975، وهو عن قصة الكاتبة الصحفية “حُسن شاه”، والتي كتبته بوعز من سيدة الشاشة العربية “فاتن حمامة”، وأخرجه “سعيد مرزوق”، وشارك “فاتن حمامة” البطولة كل من: رشدي أباظة، أمينة رزق، ليلى طاهر، ورجاء حسين.
ويتناول الفيلم قصة (درية) وزوجها الدبلوماسي (مدحت)، الذي تتعقد الحياة معه، فتطلب (درية) منه الطلاق، لكنه يرفض ذلك، فتلجأ إلى المحكمة لرفع دعوى الطلاق، ولكن يتبدد الحلم، بعد أن يتمكن الزوج من طلبها في بيت الطاعة لإذلالها، وتخسر (درية) القضية.
وعقب عرض الفيلم، وجهت السيدة “جيهان السادات” زوجة رئيس الجمهورية آنذاك، اهتماما لإستصدار قانون للأحوال الشخصية لمعالجة ثغرات القانون الموجود وقتها، حتى أنه بسبب فرط اهتمام السيدة الأولى به، سُمي بـ “قانون جيهان”، وصدر بالفعل قانون 44 لعام 1979، لكن سرعان ما انتهى العمل به بعد أن ألغته المحكمة الدستورية العليا فى عام 1985، إلى أن صدر قانون الخلع فيما بعد.
**
•أفواه وأرانب:
“أفواه وأرانب” من إخراج “هنري بركات”، وتأليف “سمير عبد العظيم”، إنتاج عام 1977، وقام ببطولته: فاتن حمامة، محمود ياسين، فريد شوقي، رجاء حسين، وحسن مصطفى.
وتمكن الفيلم من تسليط الضوء على عدة قضايا، أهمها وضع المجتمع المصري في سبعينيات القرن الماضي، مع بداية مرحلة الانفجار السكاني التي أبرزها الفيلم في إطار كوميدي ساخر، وتدور أحداث الفيلم حول (نعمة) التي تعيش مع أختها وزوجها وأطفالهم التسعة، يطلب أحد التجار الزواج من (نعمة) لكنها ترفض وتقرر ترك البيت، والبحث عن عمل في مكان آخر حتى لا تُرغم على الزواج منه، ولكن نتيجة لظروفهم القاسية، يقرر زوج أختها تزويجها من هذا التاجر دون علمها ليساعدهم ماديًا.
تعثر (نعمة) على عمل في إحدى المزارع، وتتعرف على صاحب المزرعة، وتعيش قصة حب معه، تتغير معها حياتها، ثم تعود لأختها وزوجها، لتُفاجأ بما فعله زوج أختها في غيابها.
***
عفواً أيها القانون:
من ضمن القضايا التي تخص المرأة والتي ناقشتها السينما المصرية، كانت تلك القضية التي تناولها فيلم “عفواً أيها القانون” للمخرجة “إيناس الدغيدي”، وهى التفرقة بين الرجل والمرأة في أحكام قضايا الشرف، حيث يتناول الفيلم قصة (هدى) الزوجة التي تقف إلى جوار زوجها حتى يتمكن من العلاج بعد إصابته بالعجز الجنسي، وبالفعل يُشفى بعد سنوات، ليكون رده هو خيانتها، الأمر الذي لم تستطع تحمله لتطلق عليه الرصاص، ويتم الحكم عليها بـ 15 عاماً رغم أن القانون يخفف العقوبة على الرجل.
والفيلم يلقي الضوء على قضايا الشرف والتفرقة بين الرجل و المرأة فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، وهو من تأليف “إبراهيم الموجي”، إنتاج عام 1985، وبطولة كل من:نجلاء فتحي، محمود عبد العزيز، فريد شوقي، ليلى طاهر، هياتم، سيد زيان.
**
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.