اضاف: "لقد مر حتى الآن أكثر من سبعة أشهر على الفراغ الكبير في السلطة اللبنانية نتيجة استقالة الحكومة اللبنانية بعد الانفجار المريب والخطير في مرفأ بيروت الذي حصل في الرابع من آب الماضي، وبالتالي لا يزال يتعذر تأليف الحكومة الجديدة كما كان ينبغي ويطالب به اللبنانيون من جهة أولى، وكما حاول رئيس الجمهورية الفرنسية مانويل ماكرون بعد اجتماعه بالشباب اللبنانيين المتظاهرين، وأن يصوغ مبادرته الإنقاذية لتشكيل حكومة لبنانية جديدة ذات مهمة محددة من اجل وقف الانهيار".
ورأى انه "تعذر التوصل إلى تأليف الحكومة الجديدة بسبب تراجع أولئك السياسيين اللبنانيين عما التزموا به تجاه الرئيس ماكرون. ذلك كان من نتيجته أن سيطرت حالة خوف كبيرة لدى اللبنانيين لما يرونه من ترد وانهيارات مستمرة، وهو بالتالي أصبح ينعكس على الأوضاع النقدية ويزيد من حدة الانهيار النقدي وتداعيات ذلك كله على الأوضاع المعيشية في لبنان. ذلك بمجمله بدأ يشكل ويزيد من حدة المخاطر الوجودية التي تعصف بلبنان. هذا ما استدعى غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أن يطلق هذه الاستغاثة بداية للمطالبة بتحييد لبنان، ومن ثم بعد ذلك بهذا الطرح الذي تقدم به من اجل عقد مؤتمر دولي من اجل مساعدة لبنان والإسهام في حل مشكلاته".
الجيش
وقال: "وهو ذات الامر وبسبب الاستعصاء المستمر في عدم تأليف الحكومة، كان موقف قائد الجيش اللبناني الذي صرح البارحة، وبعد الاجتماع الموسع الذي جرى برئاسة فخامة الرئيس ميشال عون في القصر الجمهوري وفي حضور رئيس حكومة تصريف الاعمال وغيرهم من الأشخاص أن هناك وضعا شائكا وخطيرا في لبنان يهدد الأوضاع المعيشية ويطيح باستقرارها، ليس فقط بالنسبة لمن ينتسبون الى الجيش اللبناني والى القوى الأمنية، بل ولغيرهم من الموظفين والإدارة اللبنانيين ولكل فئات المجتمع اللبناني. إذ أن هذا الانهيار في المستوى المعيشي أصبح يصيب جميع اللبنانيين، وحيث أصبحت نسبة كبيرة من اللبنانيين تحت خط الفقر بما أصبح يهدد استقرار الأوضاع الأمنية التي قد تشهد فوضى شاملة".
وردا على سؤال عن دور للجيش في الفترة المقبلة، قال السنيورة: "أنا اعتقد ان استغاثة قائد الجيش وقبلها استغاثة غبطة البطريرك يجب ان تؤخذا بشكل جدي. صحيح أن استغاثة قائد الجيش تعبر عن ألمه وألم الأجهزة العسكرية والأمنية، وكذلك عن ألم جميع المواطنين. إلا أنه عبر بذات الوقت أيضا عن التزام الجيش اللبناني بحفظ الأمن والنظام وفتح الطرقات، والحرص على عدم التعدي على الأملاك العامة والخاصة. ولكنه يرفض أن يصار إلى وضع الجيش في مواجهة المتظاهرين".
اضاف: "هذا من جهة، أما بشأن دور الجيش في العمل السياسي في لبنان، فأنا موقفي بكل وضوح وصراحة، أنا لست مع إقحام الجيش اللبناني في السياسة ولست مع هذا الأسلوب في المعالجات. ولكن أرى في موقف قائد الجيش دعوة صارمة وصريحة لكي يبادر فخامة رئيس الجمهورية إلى اتخاذ القرارات الصحيحة لحل الإشكالات المستعصية في تأليف الحكومة، وسأفصل بعد ذلك ما أعنيه. ولكن إذا لم يتم ذلك التجاوب من فخامة الرئيس، فإن الأمور قد تتجه إلى تهديد وجودي للبنان وهو البلد الديموقراطي الذي حرص على مدى كل السنوات الماضية في الحفاظ على لبنان وعلى نظامه الديموقراطي البرلماني".
واردف: "نعلم أنه قد مضى على لبنان وحتى الآن أكثر من 45 سنة وهو يعاني الامرين من هذه الأوضاع المتردية، والتي تشترك في التسبب بها الكثير من العوامل التي سادت خلال فترة الحرب الاهلية، وبسبب الاجتياحات والاحتلالات الإسرائيلية المتكررة، إلى المناكفات السياسية بين اللبنانيين الى الأوضاع الاقتصادية المتردية. هذا كله ما أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه الآن. ويجب أن يكون هذا إنذارا وتحفيزا من أجل أن يصار إلى التنبه لدى السياسيين، وتحديدا من فخامة رئيس الجمهورية بخطورة الأوضاع السائدة، وبالتالي من أجل المسارعة إلى التجاوب والعمل على القيام بدوره من أجل أن تتألف الحكومة الإنقاذية الجديدة، ولكي تبدأ مسيرة الإصلاح والإنقاذ في لبنان".
الحريري
وعن زيارات الرئيس المكلف سعد الحريري الى الخارج وعدم تشكيل حكومته، قال السنيورة: "الرئيس الحريري قدم تشكيلته الحكومية، وذلك استنادا لأحكام الدستور اللبناني وأيضا استنادا إلى مبادئ المبادرة الفرنسية، والتي هي انطلقت أساسا استنادا إلى مطالب اللبنانيين الذين قالوا إنهم يريدون حكومة من الاختصاصيين المستقلين وغير الحزبيين، والذين هم من أصحاب الكفاءة المشهود لهم في عملهم وفي المجالات التي يمكن أن يعينوا فيها بالحكومة. وبالتالي يستطيعون عندها أن يكونوا فريق عمل متضامن ومتجانس يمكن له أن يبدأ بإجراء الإصلاحات التي طال انتظارها".
اضاف: "الرئيس الحريري قدم تشكيلته وما يقوم به الآن في زياراته المتعددة لعدد من المسؤولين العرب والدوليين ليس إلا محاولة من أجل تأمين المساعدة على تأليف الحكومة".
طرفان يعرقلان
وتابع: "هناك طرفان أساسيان يضعان العراقيل في وجه تأليف هذه الحكومة. الطرف الأول، هو رئيس الجمهورية الذي هو وحسب الدستور يوقع على مرسوم التشكيل ويلعب دورا في عملية اختيار أعضاء الحكومة، ولكن ضمن القواعد التي تم التوافق عليها وهي حكومة من الاختصاصيين المستقلين غير الحزبيين. المشكلة الآن أن هم الرئيس ليس في تأليف حكومة من هذه الطبيعة، بل أن جل همه الآن هو كيف يمكن ان يضمن تحول السلطة بعد انتهاء عهده ومن ثم فهو حريص وكما يبدو الآن في أن يتولى صهره الرئاسة من بعده، وكأننا نحن نعيش في نظام يقبل التوريث. هذا نظام ديموقراطي برلماني وليس حتى نظاما رئاسيا في لبنان".
اضاف: "الطرف الثاني الذي يضع العراقيل هو حزب الله، وهنا أرى السبب الأساس في أن هذه الزيارات التي يقوم بها الرئيس الحريري الى عدد من البلدان المعنية بلبنان، إذ لربما تسهم أو تكون وسيلة من الوسائل للتعاون إذا كان هناك من إمكانية ان يصار الى ممارسة بعض الضغوط أو الاتصالات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لماذا؟ لان حزب الله عمليا هو الذي يتلطى وراء رئيس الجمهورية وبالتالي يعمل من اجل ان لا تتألف الحكومة الجديدة من أجل ان يبقى لبنان ورقة يستطيع حزب الله ان يضعها بتصرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتعزيز قدراتها وإمكاناتها التفاوضية مع الولايات المتحدة الأميركية الاستعصاء لدى حزب الله وإيران مسألة طويلة ولبنان لا يمكن له الانتظار هكذا".
وأشار السنيورة ان الرئيس الحريري وضع تشكيلته الحكومية، والتي قدمها لرئيس الجمهورية، وهي مبنية على هذه الأسس التي تم التوافق عليها ما بين الرئيس ماكرون وممثلي الأحزاب بما فيهم حزب الله. لكن عددا من تلك الأطراف الحزبية، ولا سيما حزب الله والتيار الوطني الحر قد تراجعوا عن مواقفهم السابقة بشأن تأليف الحكومة الجديدة بعد ان بدأت الإدارة الأميركية في فرض العقوبات".
وقال: "الآن هناك مشكلة حقيقية في لبنان تتركز في مسألة استعادة الثقة، وذلك يكون بداية عبر تأليف الحكومة التي تستطيع أن تتقدم على هذا المسار. ولكن هذه المشكلة لا تعالج الا بالتفتيش عن الحلول الصحيحة لجوهر المشكلات، وليس من خلال معالجة مظاهر المشكلات".
الثقة بالدولة
واوضح ان الاجتماع في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية، خرج بجملة من الأفكار التي هي ضرورية وقد جرى اقتراحها سابقا، ولكنها لم تطبق وهي يجب أن تطبق ولكنها غير كافية على الإطلاق". وقال: "في هذا الصدد، تجارب لبنان كما تجارب الكثير من الدول التي مرت في ظروف اقتصادية ومالية ونقدية صعبة بأن التدهور الحاصل لا يعالج بالعصا. لا ينزل سعر صرف الدولار بالعصا أي بالقوة، ولا تعالج مسألة الثقة بالعصا، بل تعالج هذه المشكلة بالذهاب الى حيث هي المشكلات، أي إلى معالجة جوهرها. وبالتالي الى ما يؤدي إلى استعادة الثقة لدى اللبنانيين بالدولة اللبنانية، كيف؟ الحقيقة أن هناك جملة من الإجراءات المحددة التي تبدأ بتأليف الحكومة العتيدة الآن وبأشخاص موثوقين يستطيعون ان يؤلفوا فريق عمل، وبالتالي تباشر الحكومة العتيدة فورا إلى العمل على استعادة الدولة اللبنانية ولدورها ولحضورها ولقرارها الحر، والتأكيد على سلطتها الكاملة على جميع الأراضي اللبنانية، وبالتأكيد على احترام الدستور اللبناني واحترام وثيقة الطائف واستكمال تطبيقها واحترام استقلالية القضاء واحترام الكفاءة والجدارة واحترام الشرعيتين العربية والدولية".
وكرر السنيورة ان "الحريري شكل الحكومة وأودع تلك التشكيلة رئيس الجمهورية، والآن على فخامة الرئيس أن ينظر فيها وأن يوقعها". وعن ترؤس الحريري للحكومة، قال: "الوضع اللبناني كما أصبح عليه الآن لا يتحمل ان يكون كل أعضاء الحكومة ممن لم يكن لهم أي تجربة حكومية سابقة. وكمثال على ذلك، لا يمكن أن تقود الطائرة بطاقم كل أعضائه ممن لم يدخل بحياته إلى مقصورة القيادة. أنا اعتقد ان سعد الحريري من خلال رمزيته وقوته التمثيلية بالنسبة للبنانيين يستطيع أن يؤلف هذه الحكومة. على أي حال سعد حصل على التفويض والتكليف من مجلس النواب وذلك حسب الدستور.
يجب أن نتنبه أنه إذا لم تتألف الحكومة لن يستطيع لبنان ان يخرج من هذا المأزق الكبير الذي أصبح في خضمه ما يمكن فعله الآن وللتقدم على مسارات الحلول لا يكون إلا بالعودة إلى الدولة اللبنانية وباحترام سلطتها الحصرية وعلى قرارها الحر. وهذا الأمر يتحقق تدريجيا من خلال التقدم على مسارات طمأنة للناس من خلال تشكيلة الحكومة ومن خلال البيان الوزاري للحكومة بأنها ستكون ملتزمة بهذه القواعد الأساسية اللازمة لاستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي والمؤسسات الدولية المعنية".
وختم السنيورة: "من خلال تجربتي ومن خلال ما أراه، فإن هناك حاجة لوضع البوصلة بشكل صحيح من أجل التقدم على مسار استعادة حضور الدولة والثقة فيها. اعتقد أنه سيكون لذلك تأثير أساسي بداية لجهة وقف انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وبالتالي ومع البدء بتنفيذ الإصلاحات المالية والنقدية والإدارية، والتي قد مضى وقت طويل على لبنان دون إجراء الإصلاحات سوف تبدأ الأمور في التحسن. كما هو معروف، فقد كان هناك ولا يزال استعصاء مستمر من قبل القيادات السياسية ومن قبل المجالس النيابية عن القيام بالإصلاحات المطلوبة. لذلك، فإن تأليف الحكومة الملائمة والتوجه بشكل واضح نحو الالتزام بشكل ثابت ومستقر بالقيام بالإصلاحات تشكل الخطوات الأولى باتجاه ان يصار الى ضبط الأمور العامة في لبنان، والبدء بانخفاض سعر صرف الدولار في لبنان بما يجره ذلك من خطوات إضافية من أجل استعادة الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي والمعيشي وبالتالي الأمني في لبنان".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.