----------- جورج بكاسيني
لفت انتباه المتابعين لشؤون تشكيل الحكومة وشجونه مسلسل المواقف المتعدّدة التي أعلنها رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط بمواكبة هذا الملف منذ بدايته حتى اليوم.
تعدّدت النتائج التي خلُص إليها الزعيم "الإشتراكي" رغم أن الأسباب واحدة: "لعبة الأمم" وما نجم عنها من هواجس لازمت خطابه السياسي على امتداد الأشهر الأخيرة.
وإذا كان الهاجس المشار إليه مبرّراً انطلاقاً من "براغماتية" جنبلاط المستدامة، فإنّ تعدّد الخلاصات الناجمة عنه يُربك أصحاب الشأن على اختلافهم أو يدفعهم الى "ضفّة" الانتظار كي يرسو صاحب هذه الخلاصات على برّ.
فما نقل عن لسان رئيس "التقدّمي" في وسائل الإعلام اليوم هو الاقتراح العاشر أو أكثر، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة.
عشية التكليف لم يكن جنبلاط متحمّساً لعودة الحريري الى السراي اعتقادًا منه بأن الأخير ما زال على اتفاق (أو سيعاود الاتفاق) مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل. بعد التكليف رحّب رئيس "الاشتراكي" بالخطوة على قاعدة التزام رئيس "المستقبل" بـ"حكومة اختصاصيين". لكن بعد أسابيع دعا جنبلاط الحريري إلى "الإعتذار" وشنّ حملة ضد سياسات "الممانعة"، ناصحاً "حليفه" بتحميلها المسؤولية والخروج من مسار التأليف.
ثم تواصل بعد حين مع الرئيس المكلف وجدّد تأييده للمسار الذي يسلكه وللصيغة التي قدّمها لرئيس الجمهورية (18 وزيراً ) وبعد أسابيع فاجأ الجميع بزيارة لقصر بعبدا "بدعوة من رئيس الجمهورية" وأعلن تأييده لتشكيل حكومة من 20 وزيرًا، قبل أن يعلن مجدّدًا دعمه لصيغة الحريري . ورغم استيائه من فيديو "الكذّاب" ومن ثمّ رسالة "درّاج القصر" عاد الى المطالبة بحكومة من 24 وزيراً،مع العلم أن ثمّة من يقول إن جنبلاط أصبح يُحبّذ صيغة الـ " 3 ثمانات" التي اعتمدت في حكومة الرئيس تمام سلام. وفوق كل ذلك عاد الى لازمة "التسوية" وتبنّى إقتراحاً طالما كان أكثر المتوجّسين منه، ويرمي الى أن "يتّفق" الحريري مع باسيل، محمّلاّ الخلاف بينهما مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة.
في غضون ذلك برزت مفارقة في مخاطبة جنبلاط لـ"حزب الله" حيث اعتبر أن الموقف الايراني سبباً رئيسياً في المأزق الراهن، لكن الوزير الأسبق غازي العريضي قدّم أسباباً تخفيفية لتغريدة عبدالأمير اللهيان في مقابلته التلفزيونية الاخيرة .
وبدا أن الموقف من إيران والتشدد حيال مواقف السيد حسن نصرالله، لا تحول دون التقاء جنبلاط مع الأخير على حكومة تكنوسياسية من 24 وزيراً .
لا يختلف إثنان على ان رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط يقرأ جيداً في المتغيرات ، والانطباع السائد لدى كثيرين ان إشهار مخاوفه ناجم عن قراءته ومتابعاته وقلقه على الأوضاع في الجبل .
لكن في المقابل، هناك من يرى أنه يصعب على حلفاء جنبلاط قبل خصومه ، أن يقرأوا بوضوح قراءاته المتعددة والمتغيّرة خلال فترات زمنية قصيرة ، الأمر الذي جعله محل تعريض بكفاءته وخبرته وحسن تقديره ووصفه بما لا يليق به ولا يستحقّه حتماً ، بأنه متقلّب المزاج والآراء .
ما يستدعي هذه المصارحة مع وليد جنبلاط ، أنه زعيم وطني وأكثر السياسيين اللبنانيين حنكة وثقافة ، وانه تحمّل تبعات مرحلة سياسية شديدة الخطورة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري .
منذ ما بعد اتفاق الدوحة والانقلاب الذي شارك فيه على حكومة الرئيس سعد الحريري ، ثمة ما هو غير سويّ في العلاقة بين الرجلين ، اشتغل الأخير حسب علمنا ، على استيعابها وتقديم العلاقة التاريخية مع المختارة والمحبة الشخصية على ما عداها من أمزجة سياسية ومحاولات بعض المحيطين التحريض في هذا الاتجاه أو ذاك .
لكن مسار المواقف في الأشهر الاخيرة ، أعاد تسليط الاضواء على حركة التنقلات السياسية التي يقوم بها جنبلاط ، والتي حيّرت جميع المعنيّين حول أي اقتراح يريد من الرئيس المكلّف أن يرسو عليه : اقتراح الخصومة مع جبران باسيل أو الاتفاق معه؟ صيغة الـ18 وزيراً أو 20 أو 24؟ حكومة اختصاصيين أو "تكنو سياسية ؟ صيغة الـ "3 ثمانات" أو "3 تسعات" أو "3 عشرات" أو غيرها؟
الى أين؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.