كتب جورج بكاسيني
كما في الرأي العام اللبناني، كذلك في أصقاع العالم، وصلت صرخة قائد الجيش العماد جوزيف عون في 8 آذار الفائت مدويّةً إلى مراكز القرار . رؤساء دول وحكومات كلفوا سفراءهم تفقّد اليرزة والسؤال عن أحوال الجيش اللبناني مقرونًا بالاستعداد للمساعدة. قادة جيوش ورؤساء أركان فرنسا وبريطانيا ومصر والأردن وغيرهم تناوبوا على الاتصال بقائد الجيش متسائلين: "how can we help ?". طائرات مغربية ومصرية وصلت تباعًا إلى مطار رفيق الحريري الدولي محمّلة بمئات الأطنان من المواد الغذائية للمؤسسة العسكرية. وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل لم يتردد في الإعلان بفم ملآن أن الجيش وحده مستشنى من "الشروط".
كل العالم، بشرقه وغربه، تعاطف مع الجيش إلا جهة واحدة هي "الأولى بالمعروف"، أي أهل السلطة في لبنان. مثله مثل كل اللبنانيين أصبح الجيش على مشارف مجاعة تنبئ بمخاطر لا تحمد عقباها ، وتستعيد إلى الذاكرة تجارب جيوش قادها الجوع إلى هزائم وانهيارات اجتماعية :من انهيار جيش هتلر في ستالينغراد (رغم أن عديده كان يتخطى الـ90 ألفًا)، مرورًا بتجربة نابليون بونابرت، وصولاً إلى خسارة العثمانيين حربًا استراتيجية في الحرب العالمية الأولى.
من حسن طالعنا أن الجيش ليس في حالة حرب في الوقت الراهن، لكنه في مواجهة مع ما هو أخطر : الجوع. ورغم ذلك لم يتحرك أهل الحلّ والربط في لبنان ساكنين، الموازنة على حالها. "كيروزين" الطوافات العسكرية التي تتولى إخماد الحرائق ونقل بعض حالات كورونا الاستثنائية إلى المستشفيات أصبح مفقودًا بحكم صعوبة التحويل بالعملات الصعبة. وفوق كل ذلك لا حكومة في الأفق .
لم يعد همّ الجنرال ما يجري التداول به من اقتراحات في السياسة ، وآخرها "تولّي الجيش مسؤولية البلاد لمرحلة انتقالية"، وسط الانهيار المتواصل من كل حدب وصوب، من جهة ، وانشغاله اليومي بكيفية منع كابوس الجوع عن المؤسسة العسكرية، من جهة ثانية. كما لم يعد مهمًّا بالنسبة إليه رفع لوائح إلى الدول المانحة بقطع الغيار للآليات العسكرية أو الدبابات تحت ضغط أولوية أساسية لا يرى ما يتقدم عليها في المرحلة الراهنة، أي الأمن الغذائي للعسكر.
كما لم يعد يعنيه ما يُدار في دهاليز السياسة والأفخاخ المتعاقبة التي تُنصب له ولآخرين ، وآخرها الحملة على كل من يتخاذل في إعداد أو توقيع المرسوم 6433، قبل أن يرفض رئيس الجمهورية نفسه التوقيع على هذا المرسوم في رسالة مزدوجة وُجّهت إلى واشنطن ولاقت استحسانًا في اسرائيل. والسبب أن أولوياته في مكان آخر : الجيش.
ذلك أن المؤسسة العسكرية تعاملت مع ملف ترسيم الحدود بطريقة ووسائل علمية وموضوعية بعيداً عن حسابات السياسة . ودراسة الجيش العلمية تؤكد أن الخط 29 هو الحدود الصحيحة وأن صخرة "تخيليت" ليست جزيرة كما تدّعي اسرائيل خلافاً للقانون الدولي ، أما عدم توقيع المرسوم فيضعف الموقف اللبناني طالما أن الخط الصحيح لم يسجّل لدى الأمم المتحدة.
الأهمّ أن ما يهمّ الجيش وقائده هو الجيش أولاً ، لأنه المؤسسة الوحيدة المتبقّية على قيد الحياة والقادرة على حماية من تبقّى من اللبنانيين الذين لم ينجحوا في تأمين أوراق السفر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.