زياد سامي عيتاني*
"المقلوبة" من الأكلات الفلسطينية المشهورة جداً، وهي من الأطباق الرئيسية المفضلة خلال شهر رمضان المبارك، لاسيما خلال الولائم والدعوات التي تتم لأصحاب المقامات الرفيعة والعائلات، كما أنها تطبخ في الأعياد والمناسبات الإجتماعية.
عرفت "المقلوبة" في فلسطين منذ القدم، وكانت تسمى "الباذنجانية" بسبب استخدام الباذنجان فيها كمكون رئيسي.
صحيح أن المطبخ الفلسطيني يتميز بأطباقه الفريدة ونكهاته المتعددة، لكن "المقلوبة" تعد الطبق الفلسطيني الأبرز على الإطلاق الذي إنتشر في بلاد الشام ومنها إلى دول عربية متعددة، مع إدخال بعض التعديلات والإضافات ليلائم كل منطقة وكل أسرة على حدة...
**
•المكونات:
وتتكون "المقلوبة" كما العديد من المأكولات العربية من الأرز، الذي هو الطعام الرئيسي لغالبية الشعوب العربية، حيث يشغل مكانة مرموقة لديهم، سواء كانوا فقراء أو أغنياء، وهو يؤكل في كل الفصول ومع اللحوم والخضراوات والبقول.
وكانوا في الماضي يضيفون إلى المقلوبة الباذنجان والقرنبيط والقرع الأصفر والبطاطا والجزر والفول الأخضر، فتُزين بالخضار الملونة المطبوخة فيها أصلاً، لتضفي رونقاً جميلاً إليها فضلاً عن مذاقها الطيب.
**
•روايات متعددة لتسميتها:
تتعدد الروايات التاريخية حول تلك الأكلة ومكانتها لدى الفلسطينيين:
-صلاح الدين سماها؟:
لعل أكثر الروايات تردداً أنه حينما فتح القائد صلاح الدين الأيوبي وجنوده القدس، دخلوا المدينة المقدسة إحتفل الناس بهذا النصر، وقدموا لهم "الباذنجانية" التي أعجبته كثيراً، فسأل عن اسمها واصفاً إياها بالطبخة المقلوبة، ذلك لأن هذه الطبخة تقلب في صواني التقديم أمام الضيف.
-"البازنجانية" ثم المقلوبة":
ويحكى أن هذا الطبق كان يسمى "الباذنجانية" لفترة طويلة، ومع تطور الأكلة وإدخال مكونات أخرى فيها بديلاً عن الباذنجان سميت "المقلوبة" لأنه يتم وضع اللحم أو السمك أو الدجاج مع الخضار المشكل في قاع الوعاء الذي تطبخ فيه، ومن ثم تقلب هذه الخلطة عند تقديمها، بحيث يصبح وضع الأرز بالأسفل والخضار واللحم في الأعلى لذلك سميت "مقلوبة" لأن أي مكون يمكن "قلبه" بغض النظر إن كان باذنجاناً أو غيره.
-"الصيادية" أساس "المقلوبة":
وتشير إحدى الروايت بأنه إشتهر بها أهل الساحل الذين كانوا يعتمدون في طعامهم على صيد السمك. وكانت مكوناتها تتشكل بشكل أساسي من الأرز والسمك والبصل إضافة إلى البهارات والتوابل، فأطلق عليها أولاً إسم "الصيادية" أي الأكلة الخاصة بصيادي الأسماك.
ثم إنتشرت في عمق المناطق الفلسطينية والجبلية منها. وأخذ أهل هذه المناطق يطبخونها بالدجاج أو اللحم بدلاً من السمك، بسبب طبيعة تلك المناطق، حيث أن أهلها كانوا يمتهنون الزراعة ورعي الماشية والإبل.
**
•إنتشارها عربياً بعد نكبة ٤٨:
وقد إنتشرت هذه الأكلة في الدول العربية مع إنتشار الفلسطينيين فيها بعد نكبة عام 48، حيث تطورت مع الزمن وأضيفت إليها الخضار والتوابل وحب الهال، وبات يقدم إلى جانبها اللبن أو السلطات العربية.
***
أياً تكن الرواية الأصح فإن تسميتها "مقلوبة" ينسجم مع طريقة تحضيرها وتقديمها. فوضع اللحم أو السمك أو الدجاج مع الخضار المشكلة في قاع الوعاء الذي تُطبخ فيه، ومن ثم قلبها عند تقديمها، بحيث يصبح وضع الأرز بالأسفل والخضار واللحم والسمك والدجاج في الأعلى، يجعل التسمية معبرة عن هذا المشهد...
**
*باحث في التراث الشعبي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.