إذا كان كل قائد للجيش يكاد يصبح بحكم "الفطرة" مرشحاً الى رئاسة الجمهورية، الّا انّ عون يصرّ على نفي "تورطه" بهذا الطموح. ومن هذه النافذة يطلّ على التفسيرات والتأويلات التي تلاحق كثيراً من اجتماعاته ومواقفه، موحياً بأنّ أغلبها يصلح ان يكون مادة لأفلام سينمائية، ولكنه لا يعكس بالتأكيد الحقيقة. ويجزم المتواصلون مع عون، بأنّه لا يفكر في رئاسة الجمهورية، معتبراً انّ كل ما يُشاع في هذا المجال هو من نسج الخيال، ويندرج في إطار محاكمة النيات.
وتنقل مصادر مطلعة على موقف عون تأكيده، انّ همّه الوحيد محصور في حماية الأمن والاستقرار وتحصين المؤسسة العسكرية وتأمين متطلباتها، خصوصاً وسط هذه الظروف الصعبة. وان ليس لديه لا الوقت ولا الحماسة من أجل التخطيط للوصول إلى الرئاسة. وفي رأيه، اذا انهارت المؤسسة العسكرية لن تبقى رئاسة جمهورية حتى يتنافسوا عليها. فالجيش هو صمام الأمان للوطن والمؤسسات، ولا اولوية حالياً غير المحافظة عليه وتعزيز مناعته.
ويلفت المحيطون باليرزة، الى انّهم سمعوا من عون بأنّه لم يبحث في مسألة الرئاسة، لا مواربة ولا مباشرة، مع أي شخصية داخلية او ديبلوماسية، وانّه خلال استقبالاته للسفراء لم يحصل ان ناقش هذا الامر معهم او ناقشوه معه.
وينقل هؤلاء عن عون تساؤله: "هل الطامح الى رئاسة الجمهورية يمنع منعاً باتاً تدخّل السياسيين في شؤون المؤسسة العسكرية كما فعلت، الامر الذي أزعج بعضهم؟ وهل يصدر عنه الخطاب الذي ألقيته قبل فترة ما أدّى إلى تململ كثيرين في الطبقة السياسية؟".
ويشير القريبون من عون، الى انّه استطاع قطع الأصابع التي كانت تتغلغل في الجيش من خارجه للتدخّل او التأثير في التشكيلات والتعيينات، منطلقاً من قاعدة انّ ولاء العسكري والضابط هو حصراً لمؤسسته وقيادته وليس للطائفة او الزعيم.
وبهذا المعنى، يرفض عون، تبعاً للعارفين، ان يكون مطراناً على مكة، ويتمسّك بأن يعود القرار الى قيادة الجيش فقط في كل ما يتعلق بشؤون المؤسسة العسكرية.
وتبعاً للقريبين من اليرزة، فإنّ عون لا يزور احداً من السياسيين في منزله او مكتبه، على الرغم من الدعوات التي تُوجّه إليه، وإنما يزور فقط رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيسين نبيه بري وحسان دياب، ربطاً بالمواقع الدستورية التي يشغلونها.
وبالنسبة الى العلاقة مع رئيس الجمهورية، فهي ممتازة ومميزة، وفق ما ينقل المطلعون عن قائد الجيش، الذي يلتقيه مرة او مرتين في الأسبوع، إلى جانب التواصل الهاتفي المستمر. ويروي العارفون، انّه عندما قيل بأنّ العلاقة بين الرجلين ساءت وتدهورت بعد الخطاب الشهير لقائد الجيش أمام كبار الضباط، كان الرئيس عون يلتقيه في قصر بعبدا في جلسة ودية، لم تخل من المزاح.
ويبدي قائد الجيش انفتاحاً على الجميع، مع تمسّكه في الوقت نفسه بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع، مستنداً الى معادلة ان ليس له عدو او خصم في الداخل.
اما في خصوص علاقته بـ"حزب الله"، فينقل عنه القريبون منه تأكيده بأنّها جيدة ومبنية على الثقة المتبادلة، انطلاقاً من اقتناع عون بأنّ الحزب لبناني ويمثل شريحة واسعة، وهذا واقع لا يمكن تجاهله. وليس صحيحاً، وفق ما يُنسب اليه، انّ الحزب يغطي المخالفين والمرتكبين في البقاع والضاحية وغيرهما، او يضع قيوداً على مهام الجيش هناك، بل يدعمه في مهامه الميدانية وهو مرتاح الى ما يفعله الجيش لفرض القانون وضبط الأمن.
وتبعاً للمطلعين، نجح الجيش حتى الآن في ضبط نحو 85 في المئة من الممرات المعتمدة للتهريب عبر الحدود البرية مع سوريا، على الرغم من كل الصعوبات التي تواجهه. إذ يتولّى فقط 5 آلاف عسكري ضبط تلك الحدود المترامية الأطراف، بينما تحتاج هذه المهمة الى 12 الف عسكري، علماً انّ هناك تذمراً لدى عون من استسهال الكثيرين التنظير من بعيد، في حين انّ اياً منهم لم يعاين الحدود ميدانياً، وبالتالي لا يعرف طبيعة التضاريس والتعقيدات.
على صعيد آخر، يفيد المحيطون باليرزة، انّ عون يشعر بالأسف حيال التجاذب الداخلي في شأن مسألة الحدود البحرية، خصوصاً انّ العدو الاسرائيلي سيحاول الاستفادة من هذا التجاذب لتحسين موقعه التفاوضي، ما يستدعي تحصين الموقف اللبناني سياسياً وقانونياً في المفاوضات غير المباشرة.
وتبعاً لتوضيحات عون، فإنّ الجيش استند في طرح الخط 29 الى حجج قانونية دامغة، تثبت حق لبنان في إضافة 1430 كلم مربعاً الى المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة، اي انّ نحو ثلاثة ارباع حقل كاريش يجب ان تعود إلى السيادة اللبنانية. وعُلم انّ عون يتصرف في هذا الملف على قاعدة أنّ الجيش لا شأن له في السجال السياسي والدستوري حول توقيع المرسوم، وكل ما يهمّه البت في هذا المرسوم وتسجيله في الأمم المتحدة لتعزيز الوفد المفاوض وتقوية اوراقه.
وما يخشاه عون، انّ التأخير في حسم وضع المرسوم قد يسمح للجيش الاسرائيلي لاحقاً بفرض امر واقع في المنطقة المتنازع عليها، بحيث انّه يصبح بمقدوره ان يتصرف بها، اذا سبق الدولة اللبنانية الى الحفر فيها، قبل أن تكون قد أنجزت ما يتوجب عليها قانوناً لإثبات ملكيتها لتلك المساحة الإضافية.
واذا كانت بعض الاصوات قد ارتفعت أخيراً داعية المؤسسة العسكرية الى التحرك في مواجهة الازمة، الّا انّ الجيش يرفض تنفيذ انقلاب او تعليق الدستور، بحسب ما تنسب المصادر العليمة الى عون، لأنّ مثل هذه الخيارات لا تناسب تركيبة لبنان وتكوينه، ولا بدّ من الاحتكام الى الآليات السياسية والدستورية في الحل.
عماد مرمل - "الجمهورية"
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.