5 أيار 2021 | 10:16

ثقافة

مركز أبحاث معهد العلوم في "اللبنانية" يُناقش إشكالات ومآلات الثقافة

نظّم مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية ضمن مختبر ‏علم اجتماع المعرفة والثقافة، بحضور رئيس المركز البروفسور حسين أبو رضا، ‏ومنسّق مختبر علم اجتماع المعرفة والثقافة في المركز البروفسور غسّان طه، ندوة ‏علمية من بُعد عبر منصّة‎ CRSS-UL-MS Teams ‎بعنوان "الثقافة وأزمة المثقّف: ‏قراءة سوسيولوجية في الإشكالات والمآلات"، وشارك فيها جمع كبير من أساتذة ‏وطلاّب دراسات عليا في لبنان والخارج‎.‎

‎ ‎قدّم للندوة وأدارها عضو مختبر منير مهنّا، موضّحًا أنّها تدور حول الأهمية ‏الثقافية لعلم الاجتماع والأهمية الاجتماعية للثقافة، من خلال مقاربة أزمة المثقّف ‏وحال الثقافة في ضوء ما يعتريها من تخبّط وتهافت نتاج تواطؤٍ مركّبٍ بين الفاعل ‏السياسي المهيمن على الخطاب العام، وبين الفاعل الاقتصادي/المالي وسطوته ‏التوجيهية في اختيار وتمويل الأعمال. واقع أثّر بحسب مهنّا في تراجع دور ومكانة ‏المثقّف حيال ممارسة أدواره الريادية، وقدرته على صياغة رؤى فكرية، تُساهم في ‏رسم معالم مشروع مجتمعي واضح التطلّعات، معتبراً أنّ أي عبث وتخريب للثقافة ‏ولدور المثقّفين هو تخريب للمجتمع‎.‎

أبو رضا

تطرّق رئيس مركز الأبحاث إلى عملية البناء الفكري والثقافي للفاعل الاجتماعي ‏والتي تبدأ من خلال مثقفي ومفكري المجتمع، من أجل رصد عملية التفاعل ‏والتنشئة والتربية والاندماج داخل المنظومة الإنسانية العامة. وأضاف "هذه ‏الدراسات يجب أن تكون علمية مرتكزة على النظريات الاجتماعية التي تراكمات ‏عبر التاريخ، وضمن البنى والنظم الاجتماعية داخل الحقل المجتمعي. ومن خلال ‏الانتقال من المعرفة باعتبارها صفة إنسانية عامة، إلى الثقافة باعتبارها الدرجة ‏الراقية من هذه المعرفة". وأشار بروفسور أبو رضا إلى أهمية دور المثقّف "في ‏حركة التغيير المجتمعية"، من خلال إتقانه صراع الايديولوجيات مع تقنياتها ‏المتطوّرة، وطرحه للمقاربات الثقافية المختلفة على مستوى الخطاب الثقافي ‏الخاص‎".‎

زيعور

قدّم مقاربة حول دور الأستاذ الجامعي المثقف في دائرة تأثيره، معتبراً "أنّ مهمته ‏لا تنحصر بتلقين العلم وإنما في صناعة وصقل الشخصية الوطنية متعدّدة الأدوار ‏للطالب". ولفت إلى أنّ عمل المثقّف لا يخلو من تحدّيات أهمها " عدم وجود ‏حاضنة ثقافية و مجتمعية تحمل بذور التغيير داخل مجتمعاتنا، إضافة إلى هيمنة ‏مناخات القمع والاستبداد السياسي على مساحات واسعة من الواقع العربي"، وبيّن ‏أنّ "العرب هم أقل الشعوب قراءة واستهلاكاً للكتاب والورق في العالم" لذلك رأى " ‏أنّه من الطبيعي أن تحصل حالة القطيعة بين المثقف النقدي وبين نظامه السياسي ‏الحاكم"، معتبراً أنّ دور المثقّف في العمل يجب أن ينتج عنه الدعوة إلى "قيام دولة ‏المؤسسات والقانون والمؤسّسات المرتكزة على نظام سياسي عادل"، فيما رأى أنّ ‏‏"النخب السياسية الحاكمة غالبًا ما تريد الإبقاء على الجمود وتعطّل المؤسّسات ‏خدمة لحكم الشخص الواحد‎". ‎

وصنّف بروفسور زيعور المثقّفين بحسب أدوارهم: فمنهم المثقّف العضوي ومثقّف ‏السلطة (أو مثقّف البلاط)، والمثقّف التغييري، والمثقّف المستقل، كما المثقّف ‏المؤدلج، إضافة إلى المثقف المهادن والمثقف الحزبي.. وحدّد مجموعة من الأدوار ‏المنوطة بالمثقّف، وتتراوح بين "مساهمته في نشر العلوم والمعارف الفكرية ‏المتنوّعة"، ومواكبته لقضايا المجتمع الأكثر إثارة ومساسًا به، على أن يمارس ‏النقد، ولتحقيق ذلك، يتطلّب الأمر ارتكازه على خلفية معرفية يحدّد بها المساحات ‏الخاضعة للنقد، وتمكّنه من كشف الحقيقة وفضح المشاريع المتآمرة على المجتمع ‏والأمة، شرط تحلّيه بالموضوعية والحيادية بعيدًا عن العصبية الضيّقة‎. ‎

كما شدّد زيعور على الدور المفصلي للأستاذ الجامعي في صناعة وبلورة القيم، ‏منوّهًا "أنه أن الأوان لفتح ملف العمل على تحصين الأستاذ الجامعي من الآثار ‏السلبية التي لا تلتقي مع سلوكيات المجتمع"، لافتاً إلى أنّ "تفتيت الثقافات عملية ‏موجّهة لتفتيت قضايا الأمّة، وعدم التمييز بين الجيّد والمسيء لمجتمعاتنا وحتى ‏نكون ملعبًا تتقاذف فيه كرات الغرب على أرضنا"، وهذا برأي زيعور "ما يحدث ‏عمليًا مع الأسف‎".‎

أبو خليل

تناولت بروفسورة أبو خليل في مداخلتها "التطوّر التكنولوجي والصراع ‏الإيديولوجي في المجتمعات العربية والإسلامية "بهدف الإضاءة على جانب مهم من ‏استخدامات التطوّر التكنولوجي وتحدّياته من خلال الصراع الإيديولوجي الذي يقوم ‏على إخضاع العالم لسياسة القيّمين عليها ولسلطاتهم الاقتصادية"، معتبرة "قضية ‏الإيديولوجيا مثيرة للجدل إلى حد كبير، وهي تظهر أحياناً بشكل مستتر وخفي من ‏خلال منطق الأفكار"، كما أنّها "تشكّل البنية التحتية للاقتصاد الجديد"، لذلك كانت ‏‏"العامل الأساسي في تطوير المجتمعات من حيث التحوّل الجذري الذي أحدثته في ‏البنية الثقافية ككل" أمر اسهم برأي أبو خليل في تأقلم الشعوب مع الأوضاع ‏الجديدة‎. ‎

ولفتت إلى الأبعاد الكثيرة التي يحملها واقع التكنولوجيا، من حيث البناء المتكامل ‏الذي يعكس إطارًا ثقافيًا، وحضاريًا واجتماعيًا في نشر ثقافة معيّنة تفرض قيمها ‏ومفاهيمها وأيديولوجياتها على المجتمعات. بهدف ضبط السوك الإنساني مع ما ‏يقتضيه النظام السياسي والاقتصادي العالمي الجديد". وأشارت إلى أنّ "الهيمنة ‏الفكرية والإيديولوجية لا تُمارَس فقط بواسطة محتوى الرسائل، وإنما بواسطة ‏التقنية التي تحملها الرسالة وانعكاساتها الاجتماعية تختلف باختلاف الوسيط الحامل ‏لها‎".‎

واعتبرت أبو خليل "أنّ التكنولوجيا حجّمت إلى درجة كبيرة الإيديولوجيا، ومنحت ‏الفرد المعاصر مساحة من الحرية يستطيع من خلالها تكوين قناعاته بنفسه، من ‏دون تدخل طرف ثالث في صناعة هذه القناعات"، ورأت أنّ الطابع الإيديولوجي ‏للشبكات الاجتماعية في سياق تحوّلات الواقع العربي والإسلامي، أصبح ناظمًا ‏للعلاقات السياسية والاجتماعية والإنسانية والاتصالية، ومتحكّمًا فيها. إذ يحاولون ‏استغلال أي وسيلة أو منصّة لتكون وسمًا لهويتهم، وهو أمر مرتبط بخصوصية ‏مجتمع المعلومات‎".‎

كما رأت أبو خليل "أنّ مواجهة التكتّل الرأسمالي الغربي قد أصبح شبه مستحيل ‏بدون تكتّل عربي إسلامي، يسعى إلى إيجاد المزيد من التماسك بين السياسات ‏العامة، ويعمل على استنفار كل الإمكانات المادّية والطاقات البشرية، بغية حماية ‏اقتصادنا من التبعية، وثقافتنا من الوقوع فريسة الاختراق والاستلاب‎".‎

مروّة

‎ ‎تناولت مروّة المنظور النسوي كمدخل تحليلي يساعد على "توضيح الأمور ذات ‏الصلة بواقع المرأة وأوضاعها، من خلال الكشف عن الإكراهات التي تؤدّي إلى ‏اضطهادها والسيطرة عليها في المجتمع. كما بهدف الكشف عما يستحضر أشكال ‏العنف والتمييز التي تتعرّض لها استجابةً لمنطق الضبط الاجتماعي المكّرس وفق ‏منطق الأيديولوجيا الذكورية". ووصّفت مروّة وضعية المرأة في مجتمعنا العربي ‏بالوضعية المركّبة، كما رأت "أنّ المطالب النسوية تشتمل على مطالب المساواة مع ‏الرجل في العمل والحقوق من منطلق الإصلاح القانوني، وعلى إنهاء أشكال التمييز ‏القائمة ضد المرأة"، واعتبرت أنّ "المسألة الحقوقية / القانونية مع الوعي هما قطبا ‏المطالب النسوية في مواجهة هيمنة ذكورية تفرض القوانين وتتحكّم بالسلطتين ‏المعنوية والمادية ". ولفتت مروّة إلى "أنّ التحوّل المطلوب يحتاج الى إعادة نظر ‏في الموقف من الرجال، فهم ليسوا جزءًا من المشكلة فحسب، بل أيضًا جزءًا من ‏الحل"، مبيّنة "أنّ المجتمع يمارس آليات الضبط على الذكور والاناث معاً من خلال ‏مورثاته وتقاليده والعادات السائدة فيه، وأنّ نظام السلطة الأبوية يعطي لمفهوم ‏الذكورة جملة من الحقوق والامتيازات‎". ‎

خلصت الندوة بتعقيب رئيس مركز الأبحاث البروفسور أبو رضا الذي شكر جميع ‏المشاركين والمنظّمين والحاضرين من طلاب وأساتذة جامعيين، معتبراً أنّ "أهمية ‏هذه الندوة تكمن في طرح موضوع إشكالي بأبعاده المتعدّدة، فمفهوم المثقّف ما زال ‏إشكالي الاتجاه، والخوض في فلك الثقافة يمكن أن يفتح مجالات كبيرة"، أمّا عن ‏دور المثقّف ودور الأستاذ الجامعي، فرأي أبو رضا أنّ هناك الكثير من الإشكاليات ‏الموجودة والمطروحة حولهما، وأنّه "لغاية اليوم، لا زال تعريف المثقّف مُبهمًا، من ‏هو المُثقف؟" واعتبر أنّ "الثقافة الحقيقية هي الثقافة الثورية، الثقافة التغييرية، ‏الثقافة التي تصدر من المجتمع لتغييره. هنا تندرج الثقافة، وليست الثقافة التقنية، ‏وليست الثقافة التقليدية". ورأى أنّه "كأي حركة أيديولوجية، المثقّف بين هلالين، ‏فهو أيديولوجيا خاصّة، ومن أهم أهدافه تغيير المجتمع وتطويره"، مؤكّدًا أنّه "لا ‏يُمكن مقاربة أزمة المثقّف في مجتمعاتنا إلاّ من خلال أزمة السلطة، فالسلطة هي ‏التي تضع الثقافة‎".‎

وبيّن رئيس مركز الأبحاث أنّ "الأيديولوجيا لا تتناقض مع العلم، بل هي جزء من ‏إطار علم اجتماع المعرفة، وهي قائمة على العلم المعرفي، فليس كل أيديولوجيًا ‏مغلقًا. الأيديولوجية ليست مقفلة، وإنّما هي مفتوحة، وهي جزء من التعريف ‏الثقافي، وهي في حقيقة الأمر أحد مفاهيم الثقافة خاصّة داخل الاجتماعي"، لافتًا أنّه ‏في "بيئتنا العربية والمجتمعية الإسلامية والعربية عمومًا، نُعاني من أزمة الثقافة ‏وأزمة المُثقّف بين الأصالة التاريخية وبين التطلّع إلى المستقبل، إلاّ أنّ الأصالة ‏التاريخية ليست سيئة بذاتها‎". ‎

وردّاً على سؤال عن مشاريع مركز الأبحاث، بيّن رئيس مركز الأبحاث بروفسور ‏أبو رضا أنّ المشاريع هدفت وتهدف إلى فتح مسارات لطلاّبنا الأعزاء، وخاصّة ‏طلاّب الدراسات العليا، للاطلاع والاحتكاك مع كل الأفكار المطروحة، لننفتح على ‏فكر الآخر، أيّا كان هذا الآخر، ولنستمع إلى الاتجاهات المعرفية المختلفة بدون ‏حواجز، وهو أمر يهمنا ونسعى إلى القيام به. وختم بالإشارة إلى أنّه لدينا مشاريع ‏كثيرة ضمن مختبرات المركز العشر باختصاصاته المتعدّدة، ولكل من هذه ‏المختبرات مشاريع وأهداف وندوات وورش عمل كبيرة بما يتناسب مع الطلاّب ‏والأساتذة والمشرفين، وبالتالي مشروع مركز الأبحاث طموح ويندرج تحت مظلّة ‏معهد العلوم الاجتماعية بفروعه الخمسة الموزّعة على الأراضي اللبنانية كافّة، ‏والمنضوية ضمن مؤسّسة الوطن الكبرى الجامعة اللبنانية التي رفدت المثقّفين على ‏المستوى المحلّي والإقليمي والعالمي‎.‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

5 أيار 2021 10:16