11 أيار 2021 | 21:12

أخبار لبنان

لبنان وحتمية الليرة الرقمية!

لبنان وحتمية الليرة الرقمية!

بقلم المصرفية بتول شريف- LEB ECONOMY FILES


بعد نحو 1400 عام على ظهور أول عملة ورقية صدرت في الصين، ينتقل العالم حالياً الى العملة الرقمية التي انتشرت هي الأخرى في الصين لكنها بدأت تتسلل الى التبادلات المالية في عدد من دول العالم، ومنها السعودية والإمارات على سبيل المثال عربياً. وقد تعززّ هذا الإتجاه خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية في العام 2008 وجنوح المستهلك صوب العملات المشفّرة كبدائل مالية، لا سيما بعد الثورات التكنولوجية المتلاحقة.

مما لا شك فيه، ان الابتكارات التكنولوجية في عالم المال تحتاج إلى عملة أكثر انسجاماً معها بغية تحديث خيارات الدفع وتقليص كلفتها وتكييف حياة الناس مع سرعة العصر. هذا سيفرض على الحكومات تحويل العملة التقليدية إلى عملة رقمية مدعومة من المصارف المركزية والبنوك التجارية والهيئات التنظيمية. ومن دون شك ان أزمة السيولة في لبنان والتي بدأت بعد ثورة 17 تشرين 2019 تدفع الى التفكير جدياً بتحضير الأرضية المالية اللبنانية لهذا الانتقال الحتمي صوب العملة الرقمية.

يشار الى ان لعملة الرقمية، تؤدي كل وظائف العملات الرسمية السابقة تجارياً ومالياً، وتعادل قيمتُها الشرائية قيمة العملة الورقية، خلافا للعملات المشفرة ( بيتكوين وغيرها). كما أنها تصدر من المصارف المركزية ويجري التداول بها عبر الإنترنت من خلال مَحَافظ الكترونية.

إيجابيات هذه العملة كثيرة، أبرزها الآتي:

· خفض التكاليف المرتبطة بإصدار الأوراق النقدية وتخزينها وطباعتها وإستبدالها وشحنها. وتخطت هذه الكلفة في لبنان العشرة ملايين دولار في العام 2020 .

· دعم التكنولوجيا المالية والرقمنة: العملة الرقمية المدعومة من المصارف المركزية هي بديل موثوق لبطاقات الدفع الإئتمانية ومن شأنها جذب الأفراد الى استعمال وسائل دفع تستخدم ابتكارات حديثة كالجيل الخامس للاتصالات 5G وسلسلة الكتل Block Chain والمَحَافظ الإلكترونية والهويّة الرّقمية وغيرها.

· تعزيز السياسة النقدية من خلال الرقابة على السيولة والعملات، خاصة إذا كانت العملة الرقمية تنتج فائدة.

· وسيلة دفع سريعة: لا تحتاج العملة الرقمية الى دور مقاصة وتحصيل كالبطاقات الإئتمانية، ولا تحتاج وجوداً مادياً لإتمام العمليات كالأوراق النقدية، مما يجعلها وسيلة الدفع الآنية الأسرع.

· مكافحة الجرائم المالية: تحفظ العمليات الإلكترونية سجلاً يسمح بمراقبة صحتها والتزام مستخدميها بالأنظمة، وتفرض رقابة إضافية غير متاحة في العمليات النقدية الورقية. وبالتالي، تؤّمن هذه العملة اقتصاداً أكثر أماناً للمواطنين، وحاجزاً رقابياً أمام مافيا ومجرمي تبييض الأموال.

· الشمول المالي: أي الوصول الى شريحة السكان غير المتعاملين مع البنوك لعدم انشاء فروع للمصارف في مناطقهم (unbanked population)، ونسبة هؤلاء تتخطى 41% حسب آخر تقرير لمصرف لبنان عام 2018، وتدريبهم على استخدام العملة الرقمية للبنوك المركزية.

· الحماية الصحية: حيث أن العملة الرقمية لا تنقل الجراثيم والأمراض المعدية باللمس.

لا شك أن العملة الرقمية هي لغة المستقبل، ولكنها تتطلب قبل إطلاقها ولضمان نجاحها واستمراريتها عددا من الخطوات الضرورية أهمها: تعزيز الأمن السيبراني لصدّ الهجمات والإختراقات الألكترونية وذلك عبر التعاقد مع شركات متخصصة لضمان حماية المستخدمين، تأمين تكاليف البنية التحتية اللازمة التي ستُدفع مرّة واحدة خلافاً لكلفة إصدار الأوراق النقديّة المدفوعة سنويّاً، تحديث البنية التحتية، لأن العملة الرقمية تعتمد على الكهرباء والإنترنت، وكلاهما عرضة للانقطاع، مما يفترض خلق مصادر بديلة لتجنب الأزمات والذعر عند المستخدمين. وأخيرا يتطلّب اصدار هذه العملة سلسلة قوانين تنظيمية توضّح آلية الاستخدام مع مراعاة خصوصية المستخدم وقانون السرية المصرفية، والحفاظ على قانونية العمليات.

نتيجةً لهذا التغيير في السياسة النقدية في حال إعتماد عملة رقمية رسميّة، سينشط العديد من القطاعات الإقتصادية منها مثلاً الشركات الناشئة وريادة الأعمال، وسيتوسع عمل الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) ويزداد التسوّق عبر التطبيقات وشركات التوصيل. بالمقابل سوف يتقلّص وجود شركات شحن الأموال وفروع المصارف التجارية والشركات المرتبطة ببطاقات الدفع المالية.

في بلد كلبنان، يعاني من إنهيار مالي كبير وافتقر الى السيولة من العملة الوطنية خصوصا في عامي 2020-2021، ربما سيكون ضروريا، المُباشرة منذ الآن بالاعداد لهذه العملة الرقمية، لأنها ستكون حتماً عاملاً كبير الأهمية في مشاريع النهوض المصرفي والمالي والإقتصادي بعد إقرارها. وكما كان لبنان تاريخياً مركزاً أساسياً في الشرق الأوسط للسرية المصرفية، فهو يستطيع أن يُشكّل نموذجاً للدول التي قامت من الأزمات والحروب عبر تحديث قطاعاتها المالية والمصرفية من خلال الثورة التكنولوجية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

11 أيار 2021 21:12