13 أيار 2021 | 13:34

منوعات

عندما كانت "العيدية" تلمع "ذهبا"!

زياد سامي عيتاني - باحث في التراث الشعبي


العيدية من العادات التي رسختها التقاليد والمظاهر الإحتفالية بالعيد منذ زمن الدولة الفاطمية، ولم يقض عليها مرور الأيام وتغيرات النقود. كان الخلفاء يوزعونها على الفقهاء وقرّاء القرآن الكريم مقادير مختلفة من الدنانير الفضية، ومعها مبالغ من دنانير الذهب.


واكتفت الدولتان الأيوبية والمملوكية بصرفها للجنود من المماليك، خصوصاً في عيد الأضحى مثلما كان الحال في زمن الفاطميين.


حكايات ومفارقات تاريخية ترتبط بالعيدية من عهد الفاطميين والمماليك أيام الدنانير الذهبية والفضية إلى عصر الموبايل والإنترنت، حيث يتبارى الشباب في تبادل الهدايا الإلكترونية عبر المنتديات والمواقع الاجتماعية مثل "الفايسبوك" و"تويتر" من أجل الشعور بالبهجة دون مبالاة بقيمتها النقدية أو قابليتها للصرف.


و"العيدية" لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت توزعه الدولة أو الأوقاف من نقود في عيد الفطر وعيد الأضحى كتوسعة على أرباب الوظائف· وكانت هذه العيدية تعرف باسم "الرسوم"في الدواوين، بينما أطلق عليها في وثائق الأوقاف مصطلح "التوسعة"·


•ذهب المعز وسيفه:

وتمثل العيدية المتداولة في الأعياد عادة قديمة بدأت منذ العصر الفاطمي مع كعك العيد، عندما كان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي يمنح أمراء الدولة "سرة من الدنانير" في المناسبات.

ويرجع ظهور العيدية كمنحة لموظفي الدواوين الحكومية والوزارات لسياسة "الترغيب والترهيب" التي اتبعها الخليفة المعز لدين الله والمعروفة تاريخياً ب"ذهب المعز وسيفه"، تيمنا بما فعله الخليفة الفاطمي عندما اختلف المصريون على صحة نسبه إلى البيت النبوي، فوقف وسط جموع الشعب في مسجد عمرو بن العاص شاهرا سيفه وقائلاً: "هذا نسبي"، ثم نثر بعض الذهب على رؤوسهم مردداً: "هذا حسبي".

وأثبتت الأحداث التاريخية أن الفاطميين في مصر أحسنوا استخدام ذهب المعز للاستمالة والترغيب أكثر من تطبيقهم سياسة السيف للترهيب، إذ خصصوا لكل مناسبة دينية رسما ماليا توزع معه العيديات النقدية والعينية. ففي عيدي الفطر والأضحى كان الخلفاء يوزعون على الفقهاء وقراء القرآن الكريم بمناسبة ختم القرآن ليلة العيد مقادير مختلفة من الدراهم الذهبية، مع توزيع كسوة العيد على موظفي الدولة، مصحوبة بمبالغ من الدنانيرالذهب تختلف حسب رتبهم الوظيفية.

وكانت العيدية تحظى باهتمام أكبر في عيد الأضحى، فقد رصد الفاطميون لرسوم العيدية عام 515ه خلال خلافة الحاكم بأمر الله نحو 3 آلاف و307 دنانير ذهبية.

وتم توزيع "ذهب المعز" أيضا كعطايا عندما يذهب الناس إلى قصر الخليفة الفاطمي لتهنئته صباح يوم العيد، إذ كان الخليفة يطل عليهم من شرفة أعلى باب القصر ليفرق عليهم الدراهم الفضية والدنانير الذهبية، وعرفت تلك النقود باسم العيدية لارتباط الحصول عليها بقدوم العيد حتى حدثت محن في عهد الفاطميين أدت إلى ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة العملات مرات عدة، مما دفع الميسورين إلى اكتناز الذهب، وكانت النتيجة أن طردت الدراهم الفضية دنانير الذهب من التعامل اليومي إلى الادخار في قصور الأثرياء.

ولم تتوقف الدولة الفاطمية عن منح العيدية إلا في آخر أيامها عندما اضطربت الأحوال الداخلية بسبب الحملات الصليبية على بلاد الشام وأطراف مصر الشرقية، وعلى يد صلاح الدين الأيوبي توقف موقتاً دور الدولة في صرف العيدية أو الرسوم لأرباب الوظائف المدنية، واكتفت الدولتان الأيوبية والمملوكية بصرفها للجنود من المماليك وبصفة خاصة في عيد الأضحى.





•"الجامكية" المملوكية:

وفي العصر المملوكي كان السلطان يقدم راتباً إلى الأمراء والجنود لمناسبة العيد، وفقاً لرتبة كل منهم ويحصل الأقل رتبة على عيدية أقل مما يحصل عليها الأعلى رتبة.

وكثيرا ما تعرض بعض سلاطين المماليك لاعتداءات بسبب ضآلة نفقة العيد أو التأخر في تقديمها، وربما ترتب على تذمر المماليك عزل السلطان عند فشله في إرضاء رغبات مماليكه.

أطلقت على العيدية المتداولة أيام المماليك تسمية "الجامكية" وتنوعت أشكالها، فكانت تقدم إلى البعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية، وإلى آخرين كدنانير من الفضة، كما اتخذت العيدية صورة الحلويات والمأكولات الشهية والملابس الفاخرة والبالونات والألعاب وغيرها.

وكان المسلمون يعتبرون أن الدنانير والدراهم هي النقود الشرعية، بينما كانوا ينظرون إلى الفلوس النحاسية على أنها عملات مساعدة تستخدم فقط لشراء الأشياء البسيطة، للفارق الكبير بين قيمتيها الاسمية والجوهرية كنحاس رخيص.

ولكن قبل منتصف عمر دولة المماليك، اختفت الدراهم الفضية وصارت الفلوس النحاسية سائدة في التعامل حتى أن الشخص الذي يقع في يده دينار من الذهب الأحمر، كان - حسبما قال المقريزي - كمن جاءته البشارة بالجنة ويسعد بالعيدية النحاسية.



•"الفندقلي" العثمانية:

وابان عصر الدولة العثمانية ولاسيما في القرن الثاني عشر للهجرة حرص سلاطين آل عثمان على ضرب عملات تذكارية خاصة توزع على كبار رجال الدولة في عيدي الفطر والأضحى ولكنها كانت توزع باعداد قليلة نظرا لثقل وزنها الذي يتخطى تسعة جرامات، وقد اطلق على هذا النوع من العملات الثقيلة اسم "فندقلي" العيدية المجوز·

و"الفندقلي" اسم لعملة ذهبية عثمانية امتازت دوما بارتفاع عيارها· وتعتبر فندقليات العيدية آخر مظاهر اهتمام الدولة الإسلامية في العصور الوسطى بالعيدية وكان توزيعها يقتصر على كبار رجال الدولة من العسكريين مع نفر من كبار موظفي الدواوين·





•معنى "العيدية"

يذكر أخيراً أن "العيدية" كلمة عربية منسوبة إلى العيد وتعني العطاء أو العطف، ومشتقة من العود على قول الإمام ابن الأنباري إنه يسمى عيدا نسبة للعود في الفرح والمرح، وجمع على أعياد بالياء للفرق بينه وبين أعواد الخشب، وقيل إن أصله عود بكسر العين وسكون الواو، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها مثل ميعاد ليصبح عيداً مباركاً يزورنا سنوياً محملا بعيديات في صورة هدايا متطورة من عصر إلى آخر.

و"العيدية" لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت توزعه الدولة أو الأوقاف من نقود في عيد الفطر وعيد الأضحى كتوسعة على أرباب الوظائف· وكانت هذه العيدية تعرف باسم "الرسوم"في الدواوين، بينما أطلق عليها في وثائق الأوقاف مصطلح "التوسعة"·






ومهما يكن من أمر تحول ديار الإسلام إلى التعامل بأنواع شتى من العملات الورقية، فإن "العيدية" صارت تقليداً انتقل الالتزام به من الدولة إلى الأفراد، وبالتحديد إلى الكبار في كل أسرة، وصار الآباء والأعمام والأخوال يدفعون عن طيب خاطر لأولادهم وأحفادهم مبلغاً مالياً، قل أو كثر، على سبيل "العيدية"، وذلك لإدخال البهجة على نفوسهم بمناسبة الأعياد.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

13 أيار 2021 13:34