كتب جورج بكاسيني
من سخرية الأقدار أن يتّهم"بطل العالم" في التعطيل الآخرين به.
عيّنةُ جديدة من إرهاصات"السوريالية السياسية" التي تتحكّم بأعناق اللبنانيين، أطلّت يوم أمس على متن رسالة رئاسية وجهّها رئيس الجهورية ميشال عون إلى مجلس النواب.
أما السبب فيتصّل بـ"إبطاء" الرئيس المكلّف سعد الحريري"المتعّمد" في تشكيل الحكومة، أو "عجزه" عن ذلك، مع أن السببين "متوازيان لا يلتقيان".
في كل الأحوال، وبصرف النظر عن التناقض الصريح بين الإتّهامين المشار اليهما، أو عن التحريف "المتعّمد" لأحكام الدستور في اتّهام الرسالة الرئاسية للحريري بـ" انقطاعه عن إجراء الاستشارات النيابية اللازمة مع مختلف الكتل"، مع أن النصّ الدستوري يصف الاستشارات النيابية التي يجريها الرئيس المكلّف بـ"غير الملزمة"، تنطوي رسالة عون على مفارقات تُظهر انفصالاً كاملاً ليس عن الواقع الحاضر وحسب وإنما عن الماضي القريب جداً أيضاً.
فكيف يمكن لحائز على "شهادة إختراع" تعطيل المؤسسات منذ أن وطأت قدماه أرضها (بعد أن كان خبيراً محلّفاً بتعطيلها من خارجها)، أن يتّهم الآخرين، وأولّهم سعد الحريري، بإعتناق هذه الآفة التي دمّرت لبنان من أقصاه إلى أقصاه؟.
فأن يكشف رئيس الجمهورية النقاب عن اسباب تمسّكه بما يُسمّى" الثلث المعطّل" (حتى اليوم)، أو الاعتبارات الشخصية أو السياسية التي تدفعه إلى السعي المستمر (وغير الدستوري) ل "سحب" تكليف الحريري، مسألة قد تستحقّ "رسالة" إلى مجلس النواب ، رغم أن الأخير لا يمكنه مخالفة الدستور الذي لا يجيز "السحب" أو مخالفة إرادة الأكثرية النيابية. أما إتهام رئيس الجمهورية الرئيس المكلّف بـ"الابطاء المتعّمد" أو "التأخير" في التأليف، فينتمي إلى "كوميديا سوداء."سرعان ما أيقظت في ذاكرة اللبنانيين محطات لا تنسى من مسلسلات"التعطيل" .. وأبطاله.
فالرسالة الرئاسية ذكّرت اللبنانيين، على الفور، كيف كان صاحبها أول من دشّن مسيرة "تأخير" تشكيل الحكومات، في لبنان والعالم، مع تأليف حكومة الحريري الأولى العام2009، عندما "أخّر" تشكيلها لمدة 125 يوماً من أجل توزير صهره جبران باسيل، الراسب في الإنتخابات، لأن" ليس للجنرال ولد صبي" حسب رواية عضو تكتّله السابق النائب إيلي الفرزلي.
كما ذكّرت" الرسالة" الرئاسية اللبنانيين كيف" أخّر" صاحبها تشكيل حكومة نجيب ميقاتي العام 2011 لمدة 140 يوماً، للحصول على عشرة وزراء من أصل ثلاثين، رغم أنها كانت من لون واحد.
كما أعاق تأليف حكومة تمام سلام مدة عشرة شهور ونصف الشهر قبل أن يوافق على مبدأ" المداورة " في الحقائب. ومن ثم أعاد الكرّة مع حكومة الحريري الأخيرة (العام 2018) عندما أخّر تشكيلها تسعة شهور.
ولم ينجُ "تعطيل" انتخابات الرئاسة من ذاكرة اللبنانيين التي سرعان ما حرّكتها الرسالة الرئاسية، لتذكّرهم كيف دشّن صاحبها الفراغ الأول العام 1988، عندما"أخّر" انتخاب رئيس لعام ونيّف ، ثم كرّر الأمر نفسه العام2007 لمدة 184 يوماً، قبل أن يتوّجه بشغور تجاوز العامين ونصف العام بين 24 أيار 2014 و31 تشرين الأول 2016, وضَمَن وصوله إلى القصر.
وأخيراً وليس آخراً، لم يجفّ حبر أعمدة الصحف التي وثقّت "تأخير" رئيس الجمهورية موعد استشارات التكليف الأخير، ومن ثم حضّ النواب على عدم تكليف الحريري -في تجاوز صريح للدستور- ومن ثم اتهامه بـ" الكذب"، قبل مخاطبته بواسطة درّاج ، ووضع العقبة تلوَ الأخرى في التأليف طمعاً بـ"الثلث المعطّل".
فعن أيّ" تأخير" تتحدّث فخامة الرئيس؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.