كتب جورج بكاسيني

23 أيار 2021 | 11:50

كتب جورج بكاسيني

جبران باسيل أطاح "الرسالة" والدستور معاً!!

كتب جورج بكاسيني


حقّق رئيس التيار "الوطني الحر" نجاحًا باهرًا في قلب النتائج المتوخاة من الرسالة الرئاسية الى مجلس النواب رأسًا على عقب . "الشرعية الأم"، أي البرلمان، حسمت سريعًا الموقف، وأطاحت كل الاجتهادات و"المعايير" التي لا تمت الى الدستور بصلة، وآخرها إمكانية "سحب التكليف" من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة.


لم يكتفِ النائب جبران باسيل بذلك . اعترف هو بنفسه بأن الأمر غير ممكن دستوريًا، أو يحتاج إلى تعديل للدستور، ليدعو من باب الحفاظ على ماء الوجه الى تعديلات في جلسات أخرى شملت بنودًا أخرى من الدستور، ما يطرح سؤالاً أساسيًا بعد كل هذه العاصفة؛ إذا كان معلومًا لدى رئيس الجمهورية أو فريقه أن ما يطالب به غير دستوري أو يحتاج الى تعديل للدستور، فلماذا اتهام الرئيسالمكلف سعد الحريري بمخالفته في الرسالة الرئاسية؟


ماذا أبقى تسليم النائب باسيل منذ بداية كلمته أمس بأن "رئيس الحكومة المكلف هو سعد الحريري وما في نقاش... وأن الهدف هو حثّه على التأليف ولا شيء آخر". . من رسالة رئيس الجمهورية؟ وماذا أبقى الجزء الثاني من كلمته الذي حفل باقتراحات لتعديل النصوص من الدستور، وقد بلغت حدود إعداد دستور جديد لا تعديله وحسب؟


إن مطالبة النائب باسيل بآليات جديدة لتشكيل الحكومة لا وجود لها في الدستور تجعل من رئيس الجمهورية والحكومة معًا "باشي كاتب" وظيفتهما التوقيع على مراسيم تسمية الوزراء من قبل الكتل النيابية. لا يلغي هذا الاقتراح غير المسبوق في "الجمهوريات الديمقراطية" دور رئيس الجمهورية وحسب، وإنما يطيح معه دور مجلس النواب وجوهر المحاسبة والمراقبة في الأنظمة البرلمانية. فكيف للكتل النيابية التي يقترح باسيل أن تسمي الوزراء أن تقوم بمراقبتهم أو محاسبتهم أو طرح الثقة بهم؟


إن اقتراح باسيل تعديل الدستور من أجل تحديد مهل التكليف والتأليف ضرب آخر لمبدأ فصل السلطات، الذي يطيح دور الأكثرية النيابية التي تسمّي الرئيس المكلّف، ويفسح في المجال لرئيس الجمهورية، إذا كان رأيه مخالفًا لرأي الأكثرية النيابية كما هو الحال الآن، أن يتجنب "الاتفاق" مع الرئيس المكلّف تمهيدًا للإطاحة به.


أما اقتراح دعوة رئيس الجمهورية الى مؤتمر حوار لمناقشة أزمة تشكيل الحكومة فيمثّل خروجًا ليس عن أحكام الدستور وحسب، وإنما عن مقدمته أيضًا (لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية) وعن كل الأصول التي ترعى تشكيل الحكومات في كل الأنظمة الديمقراطية في العالم. فتكليف رئيس لتشكيل الحكومة يتم عن طريق مجلس النواب، كما أن منح الثقة أو حجبها عن الحكومة التي يشكلها الرئيس "المكلّف بتشكيلها" يتم في البرلمان وليس في أي مكان آخر.


إن اعتراض رئيس الجمهورية أو أي كتلة نيابية على اسم الرئيس المكلف أو على تصوّره لتشكيل الحكومة، لا يتيح لهما، منفردين أو مجتمعين، الدعوة الى حوار يخالف الأصول الدستورية أو يقود إلى تعديل الدستور، وهذه واحدة من أسباب الوصول إلى حال الانهيار الذي ضرب لبنان من أقصاه إلى أقصاه . وقد تسببت بـ"فراغات" لا تُحصى ولا تُعد في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والحكومات كانت نتيجتها المزيد من التدهور النقدي والاقتصادي والاجتماعي.


إن نشوء الأمم أو إدارتها لا تخضع لمزاج شخص أو كتلة نيابية، وإنما لـ"توافقات" أو "أكثريات" منصوص عنها في أحكام الدستور. فليس في أي دستور أو ميثاق، في العالم، نصّ أو اجتهاد يجيز لفريق أو اقلية االتحكم بمصير الأكثرية، أو تعطيل أي مسار دستوري لأنه لا ينسجم مع مزاج الأقلية. هذا المسار ينتمي باختصار الى ما يُسمّى "تعسّف الأقلية" المعمول به في اسرائيل مثلاً ، كما يسمّيه عالم الاجتماع الاسرائيلي سامي سموحا. ولا يمكن لأي كان منحه "شرعية" منتحلة الصفة باسم "الدستور" أو"الميثاق".


لم يبقَ في الجمهورية المنكوبة ما يُراهن عليه من أجل الخروج من النكبة سوى أحكام الدستور، ومن بينها حق رئيس الجمهورية في توجيه رسالة إلى مجلس النواب في منعطفات معيّنة.


جبران باسيل أطاح الإثنتين معًا.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

كتب جورج بكاسيني

23 أيار 2021 11:50