كتب خالد صالح:
لم يكتفِ رئيس الجمهورية ما ارتكبه من مُوبقاتٍ دستورية حتّى اللحظة، بل واصلَ نهجَه القائم على تعديل الدستور بـ "الممارسة"، ملتزمًا ما يُمليه عليه مستشاروه الأفذاذ من أفكارٍ تضعُ البلاد والعبادَ أمام سابقةٍ تُمهّد الطريقَ نحو مفترقٍ خطير، ينسفُ كل ما حققناه من توازنات سياسية أفرزها الطائف ..
لم يكتفِ رئيس الجمهورية بتجاربه الغريبة السابقة، بل أتبعها بالأمس بتجربة أقلّ ما يُقال فيها، إذا لم تستحِ فأصنع ما شئت، فليس هو الجهة المخوّلة "دستوريًا" إعداد مسوّدات لتشكيلاتٍ حكومية، ولا البطريرك الراعي هو الجهة المخوّلة إبداءَ الرأي فيها ولا حتى مقاربتها من قريب أو بعيد ..
لم يكتفِ رئيس الجمهورية بـ "جهنّم" التي وعدنا بها، يصرّ على ملازمة القول بالفعل، ممارسًا شخصية "نرسيس" الذي عشق انعكاسَ صورته في الماء، وكأن "السياحة الانفرادية" التي يتمتّعُ بها في قصر بعبدا، جعلته يظنّ "وإن بعض الظنّ إثم" أنّه وفريقه فقط يعيشون في هذا البلد ..
بلغت "الرؤوس الحامية" من جوقة "الزقيفة" في قصر بعبدا مبلغًا خطيرًا جرّاء التمادي في العنجهية والفوقية الفارغة، ودفعَها غرورها لاختزال كلّ الأطراف بـ "كبسة زر"، وإظهار التعالي الفاقع على كل الآداب السياسية مرتكبين الحماقات بشكلٍ سافر، مُعلنين بلا أيّ حياءٍ نحنُ ومن بعدنا الطوفان، ونحنُ الغرقى وما ضرّنا البلل بشيء ..
فقدت "شلة المستشارين" أيّ حسّ بالمسؤولية الوطنية، صمّوا آذانهم وأغمضوا عيونهم أمام الذلّ اليومي الذي يُهيمن على تفاصيل حياة اللبنانيين، يؤدّون دور "الخرمنجي" الذي يتذوّق الدخان ويُصنف جودته من أول "مزة"، حيث يعتمدُ على حاستي الشم والذوق، لكنه لا يعلم بأن هاتين الحاستين المهمتين قد يُصيبهما الوهنُ والتصدّع نتيجة "ميكروبات" أو "فطريات" تضربُ أطنابَ هاتين الحاستين العظيمتين بقوة الأنانية التافهة والغرور القاتل، حتى أصبحوا "لا شم ولا ذوق" ..
لم يكتفِ رئيس الجمهورية بما سبق، بل مازال يحاولُ حشو سياستنا بمصطلحاتٍ غريبة وأفكارٍ عبثية ساذجة، تُثير فينا الرغبة في الهجاء والسخرية، بينما تواصلُ "شلّة المستشارين" إطلاق مخيلتها الإبداعية لخلق أفكار "جهنمية"، هذه الفوقية والعنجهية الفارغة صارت مملّة، وتذكّر بالنكتة الذائعة عن "مراقب الباص" الذي رأى عجوزًا يدخن "ورق البافرا"، فاستخف به قائلاً:" يا حجّ الناس طلعت ع القمر وانت بعدك بتدخن بافرا، فردّ عليه العجوز بسرعة "وانت ليش ما طلعت معهم يا .... " ..
أمامَ هذا الاستعلاء الذي يُمارسه رئيس الجمهورية وفريقه على اللبنانيين ودستورهم وأعرافهم وأخلاقياتهم، لا بدّ للبنانيين من التحرّكِ السريع والحازم والحاسم لمواجهة ثقافة الاستعلاء هذه، وثقافة شطبِ الناس جميعًا ورميهم بالحجارة من دون ذنب، ووضع الحدّ الفوري لمشروع الترويج لثقافة الهدم الإنساني شكلًا ومضمونًا، ومنعهم من محاولة نشر العنصرية البغيضة وتصنيف الناس وفق أمزجتهم ووضعهم في خانات ومربعات ومكعبات، ولوائح معدّة مسبقًا من قبل أصحاب الفكر المتعالي غضبًا وعنوة متسلحين بـ "رمزية" الموقع والتوقيع، قبل أن ينطبق علينا القول المأثور "أكلنا يوم أكل الثور الأبيض" ..
من أدبنا العربي .. يُحكى أن كلبًا دخلَ في يوم من الأيام إلى متحفٍ مليء بالمرايا، كان متحفًا فريدًا من نوعه، فالجدران والسقف والأبواب وحتى الأرضيات كانت كلّها مصنوعة من المرايا، وبمجرّد أن رأى انعكاساته، أصيب الكلب بصدمة كبيرة، فقد رأى أمامه فجأة قطيعًا كاملاً من الكلاب التي تحيط به من كلّ مكان ..
كشّر الكلبُ عن أنيابه وبدأ بالنباح، فردّت عليه الكلاب الأخرى التي لم تكن سوى انعكاسًا له بالمثل، فنبح من جديد، وراح يقفز جيئة وذهابًا محاولاً إخافة الكلاب المحيطة به، فقفزت هي الأخرى مقلّدة إياه، وهكذا استمرّ الكلب المسكين في محاولة إخافة الكلاب وإبعادها من دون جدوى.
في صباح اليوم التالي، عثر حارس المتحف على الكلب البائس ميتًا خاليًا من الحياة، مُحاطًا بمئات الانعكاسات لكلبٍ ميتٍ أيضًا، لم يكن هنالك أحد لإيذاء الكلب في المتحف، فقد قتل نفسه بنفسه بسبب العراك مع انعكاساته ..
عودوا إلى الواقع وأزيلوا حقل المرايا الذي تقفون فيه ..
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.