كتب جورج بكاسيني
إن قراءة متأنية لمطالعة الرئيس سعد الحريري أمس ، في حواره مع الزميلة مريم البسام عبر " الجديد"، عن أسباب اعتذاره وعوائق التشكيل وأفخاخها ، تظهر ثبات خطّه البياني على نقطة مركزية عنوانها وجوب تغيير نمط إدارة الحكم ، مقابل ثبات الآخرين على النمط ذاته ، رغم التغيّرات الدراماتيكية التي شهدتها الجمهورية .
فبعيداً عن الجدل الذي أثاره أداء الزميلة البسام ، بحكم أسلوبها الخاص في الحوار وتميّزها الصريح عن الضيف في السياسة ، فان الرئيس " المعتذِر" أظهر قدراً عالياً من الصلابة في الموقف تطابقت مع خطابه ك " مرشّح طبيعي" أو "رئيس مكلّف".
فنّد بوضوح الأسباب الموجبة للإعتذار ، وأخطرها تمسّك رئيس الجمهورية وفريقه السياسي بشروط قديمة - جديدة كانت من أبرز مسبّبات الانهيار : "الثلث المعطّل "، " حقوق المسيحيين" وتسمية رئيس الجمهورية للوزراء المسيحيين ..
لم يكتفِ الرئيس المعتذِر بعرض الأسباب المرئية والمسموعة والمكتوبة وحسب ، وإنما أضاف الى " الجردة" عيّنة من التسريبات والتخيّلات التي رافقتها ذهبت الى حدّ تحميله مسؤولية إعاقة تشكيل حكومته "بسبب فيتو سعودي": " إذا كان فريق ٨ أذار حريصاً فعلاً على السعودية فليتوقف عن شتمها وتصدير الكبتاغون والمحاربين الى اليمن .."
كما لم يعفِ "حزب الله" من مسؤولية عدم القيام "بالجهد الكافي "مع حليفه عون من أجل الإفراج عن الحكومة . بدّد بوضوح اللغط أو الالتباس المتعمّد لدى المزايدين الذين اتهموه مراراً ب" التكافل والتضامن " مع الثنائي الشيعي . أنصف الرئيس نبيه بري بما يستحقّ ، بوصفه الداعم الدائم لتشكيل الحكومة . وأثار علامات استفهام حول موقف " حزب الله"، وصولاً الى تحميله حيّزاً من مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة.
لم يترك الحريري شاردة أو واردة رافقت مسيرة إعاقة تشكيل حكومته لم يتطرّق إليها ، حتى إذا جاءه السؤال "وماذا كنت تفعل في جولاتك الخارجية" كشف النقاب عن مسعاه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي لتوفير الغاز للبنان من أجل تخفيض فاتورة الكهرباء الى النصف. كما ذكّر المتسائلين بأن زياراته للإمارات أثمرت الحصول على مئات آلاف اللقاحات للبنانيين . كل ذلك وسعد الحريري يستعدّ للإعتذار عن تشكيل الحكومة ، مستعيداً بذلك تجارب والده الذي لم يتردّد يوماً في " تجيير" أي إنجاز للآخرين بطيبة خاطر.
باختصار ، أماط الرئيس الحريري اللثام عن ذهنية طرف سياسي ، أو أكثر ، أطاح الجمهورية من أجل نفسه ، مقابل نموذج أخرج نفسه من السلطة لئلا يكون شريكاً في التعطيل بعد أن اختار أن يكون شريكاً في المسؤولية .
الله يعين البلد .
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.