يحتار أهل الصحافة والرأي والمحللون والخبراء في إيجاد وصف للحال التي وصلت إليها البلاد . ذلك أن مصطلح "الانهيار" الذي أجمع اللبنانيون على اعتماده منذ انتفاضة "17 تشرين" لم يعد يفي بالغرض ، بعد أن بلغ السيل الزبى في الشهور الماضية وصولاُ الى حدود غير مسبوقة من التحلّل الذي ضرب الدولة والمجتمع معًا.
ففي مرحلة "الانهيار "لم تصطفّ طوابير المواطنين أمام محطات الوقود والأفران والسوبرماركت، ولم يتهدد اللبنانيين خطر انقطاع الإنترنت وتوقف مولدات الكهرباء أو فقدان الأدوية للأمراض الخطيرة والعادية . كل ذلك حصل في مرحلة ما بعد بعد "الانهيار"، لتُضاف الى مخاطر الأخير نكبات لم ينجُ منها أي مواطن، كما لو أن اللبنانيين انخرطوا في مسار انتحار جماعي من دون علمهم ولا إرادتهم.
قد يكون هذا الوصف الأدق لحال اللبنانيين اليوم : "الانتحار". مع العلم أن أحدًا منهم لم يتخذ هذا الخيار، وإنّما ثمّة من اتخذه عنهم، حتى اذا اختلط "الحابل بالنابل" وضاعت المسؤوليات أشار بإصبعه إلى نفسه إثباتًا لشعار "الرئيس القوي".
تضخّم "الأنا" المرافقة له منذ نعومة أظفاره عندما كان يقف على سطح برميل أمام منزله في حارة حريك ويصرخ "أنا نابليون بونابرت" ، يمنعه من إشراك الآخرين في المسؤولية.
يريد كل شيء لنفسه . لا يقبل شريكًا له لا في الأرباح ولا في الخسائر، فهو المالك الحصري لكل شيء، بما في ذلك مصير "شعب لبنان العظيم". عاشق للأزمات والصراعات والنكبات حتى الرمق الأخير . يهوى الغرق في اللعنات حتى أذنيه. عدوّه الاستقرار .ولا حليف له إلا "أناه". وصوله إلى القصر لم يمنعه من تقدّم صفوف المعارضة. وهتافات الثورة ضد عهده لم تمنعه من المزايدة على الثوار أنفسهم. هو السلطة والثورة في آن. هو العقدة وهو الحل. هو "الأنا" وهو الـ"نحن" معًا. لا صوت يعلو فوق صوته ، ولا ظلم يعلو فوق مظلوميته. هو الجلاد والضحية.
عندما اندلعت ثورة "17 تشرين" ظنّ اللبنانيون أن رئيسهم "القوي" سيلجأ إلى قدرٍ من التواضع السياسي وسيجري مراجعة لسياسته وأوهامه التي لم تتّسع لها الجمهورية ، فهرب إلى الأمام . وعندما وقع انفجار 4 آب الذي كان أكثر دويًا من الانهيار، أملوا في أن يعود إلى رشده أمام هول الكارثة، فعاد إلى شعارَيه الميمونَين اللذين كانا من الأسباب الرئيسية للانهيار : "الثلث المعطل" و"حقوق المسيحيين"، بدلاً من تسهيل عملية تشكيل الحكومة التي تمثل المفتاح الوحيد لمعالجة النكبات المتناسلة.
كما نجح بتفوّق في نقل لبنان من مرحلة الاستقرار الى مرحلة الانهيار، حقق رئيس الجمهورية نجاحًا باهرًا في نقل الجمهورية من مرحلة الانهيار الى مرحلة الانتحار التي لا "بعد" من بعدها .
ماذا بعد.. فخامة الرئيس؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.