22 آب 2021 | 18:01

منوعات

مسابح عين المريسة.. ريف بحري على طرف العاصمة (٢/٢)‏

زياد سامي عيتاني*‏





نستكمل في الجزء الثاني من هذه المعالجة التوثيقية إلقاء الضوء التذكيري على المسابح التي ‏نشأت على إمتداد شاطئ عين المريسة:‏

‏*مسبح "الجمل":‏

عندما تحولت الأملاك البحرية للواجهة البحرية لمنطقة عين المريسة التي تحيط مرفأ صياديها ‏إلى أملاك خاصة، أنشأ جميل الجمل عام ١٩٢٩ أول مسبح خاص مجاور لميناء الصيادين، ‏وبالقرب من عين الماء العذب (الحلوة)، التي كنيت منطقة دار المريسة بها، وصارت تعرف ‏بعين المريسة، وما زالت، رغم أنها إدارياً ما زالت مسجلة دار المريسة.‏

وقد أسمي المسبح الجديد النشأة على إسه "حمام الجمل"، وضم إليه مقهاً خشبياً صغيراً، عرف ‏أيضاً "بمقهى الجمل"، وفي وقت لاحق أنشأ غرف خشبية "كابينات" مخصصة لتغيير ملابس ‏الزبائن، فضلاً عن الإستحمام بمياه العين المجاورة.‏

وكانت تمارس في "حمام الجمل" مختلف رياضات السباحة البحرية التي كانت معروفة في ‏حينه، إضافة إلى ركوب القوارب و"الحسكات"، كما أن أبناء المنطقة كانوا ينظمون حفلات ‏لرياضة كمال الأجسام والجمباز، ويستعرضون مهاراتهم وقوتهم البدنية، خصوصاً وأن أغلبهم ‏تعلق بمختلف الألعاب الرياضية وتمرسوا بها، وكان من بينهم أبطال بارزين...‏

‏**‏

‏•مسبح "النورماندي":‏

حتى العام ١٩٧٣، لم تكن عين المريسة منطقة مفصولة عن البحر كحالها راهنا. فقد كانت ‏واجهتها تتكوّن من مرسى طبيعيّ، وشاطئ صخريّ تكثر فيه عيون المياه العذباء، وجامع عين ‏المريسة، وبعض البيوت القرميدية التي تميزت بقناطرها، ومسبح "النورماندي" الذي كان وجهة ‏أساسية لسكّان بيروت.‏

فقد أنشأ إبن عين المريسة وأحد وجهائها إبراهيم خليل غندور(توفي في حادث أثناء وجوده في ‏لندن سنة ١٩٥٦)، مسبح "النورماندي" بالشراكة مع عادل فاخوري، لكنه وعاد ليستثمره منفرداً ‏في وقت لاحق. ‏

وتميز مسبح "النورماندي"، عدا أنه مخصص للسباحة والتشمس، بوجود أعداد من القوارب ‏و"الحسكات" والزوارق الشراعية، التي كانت ترص على الشاطئ بشكل ملفت يجذب الناظرين، ‏والمخصصة للإيجار بهدف التنزه، حيث كانت ركابها يجوبون الشاطئ الممتد من عين المريسة ‏وصولاً إلى مشارف مرفأ بيروت، ذهاباً وإياباً، حيث كان أجار "الحسكة" لمدة ساعة بنصف ‏ليرة، ومن لا يملك ثمن إستئجار قارب أو "حسكة" كان يستعين ب" شنبريار" دولاب شاحنة ‏منفوخ بالهواء للجلوس بداخله في عرض البحر.‏

يذكر أيضاً أن شباب عين المريسة كانوا يتبارون فيما بينهم في مسبح "النورماندي" بالقفز من ‏اليابسة الى البحر بشكل عروض "أكروباتية"، للفت الأنظار وللإستحواذ على الإعجاب.‏

يشار أخيراً إلى أن غندور، خصص يوماً في الأسبوع يكون رواد المسبح حصراً للنساء، وذلك ‏منعاً لأي مضايقات من الممكن أن تواجهم، وذلك نزولاً عند رغبة وجهاء المنطقة والنافذين فيها ‏الحريصين على التقاليد الإجتماعية، ومنها الحشمة و"السترة".‏

ورغم العز الذي شهده المسبح طيلة سنوات طويلة، إلا أنه ومع البدء بتنفيذ وصلة الكورنيش، ‏تمت أزالته، شأنه شان مسبح "الجمل"، ليزال معهما أيضاً معلمين تاريخيين من معالم عين ‏المريسة هما عين المياه ومرفأ الصيادين، ليستمر ميناء "الفاخورة" مركزاً لتجمع الصيادين، ما ‏زال قائماً رغم كل التغييرات التي أحدثت فيه على مراحل متلاحقة، ممتداً تحت الكورنيش، كما ‏بقيت أيضاً أملاكٌ عامّة بحريّة بمساحة ١٧١٠ أمتار مربّعة في الموقع الذي كان يشغله مسبح ‏‏"النورماندي"، إلى أن صدر المرسوم ٢٠٨٤ القاضي بـ"إسقاط فضلة من الأملاك العمومية ‏البحرية لحساب أملاك الدولة الخصوصيّة في منطقة عين المريسة العقارية". واللافت في ‏المرسوم، أن المساحة الشاسعة بحجم ١٧١٠م٢ قد سميت بـ"الفضلة"!!! ليبنى على جزء منها ‏فيما بعد برج "الأحلام"(!)...‏

‏**‏

‏•مسبح "الجامعة الأميركية":‏

حولت الجامعة الأميركية في بيروت جزءاً من الشاطئ الصخري (المحاذي لشارع باريس)، ‏الذي يتوسطه "عامود الطيران المدني"(شيد سنة ١٩٣٣ لإرشاد حركة الطيران، والذي يرتفع ‏فوق غرفة حجرية، وفي أعلاه مصابيح ترسل إشارات ضوئية لسلامة الطيران) والمواجه ‏لمدخلها لناحية الكورنيش إلى مسبح خاص بها، ليكون مخصصاً لأساتذتها وطلابها، يتم الوصول ‏إليه بواسطة نفق تحت الأرض، يربط الجامعة بمسبحها.‏

وكان هذا المسبح الخاص جداً (!)، مقتصر العمل فيه لبضعة أشهر فقط، لأنه لم يكن يحتوي لا ‏على مطعم ولا على مقهى، ولا حتى حوض سباحة "بيسين"، كما أنه لم تكن تقام فيه أي أنشطة ‏رياضية أو ترفيهية، بل كان مخصصاً للسباحة وحمام الشمس.‏

فكانت إدارة الجامعة تعمد قبل بدء موسم الصيف إلى تركيب "شوادر" قماشية مثبتة على ‏مستطيلات حديدية على إمتداد الكورنيش المحاذي للمسبح، لحجب رؤية المسبح ورواده عن ‏المارة على الكورنيش، منعاً لأي إزعاج أو تطفل.‏

ومع إنتهاء فصل الصيف، تزال "الشوادر"، ليتحول المسبح إلى مساحة خالية فارغة، مع الإبقاء ‏على حظر النزول إليها، بما في ذلك لصيادي "القصبة"، الذين كانوا في ذلك الحين ينتشرون ‏على طول صخور الشط... ‏

‏**‏

‏*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

22 آب 2021 18:01