19 أيلول 2021 | 16:54

منوعات

لماذا يتفوّق الأطفال على الكبار بمقاومة كورونا وتحوّراته؟

لماذا يتفوّق الأطفال على الكبار بمقاومة كورونا وتحوّراته؟

مازال من غير المعروف، علمياً، السبب الحقيقي وراء مقاومة الأطفال لفيروس ‏كورونا ومتحوراته بطريقة أفضل من الكبار. فهو من الأمور الغامضة التي تحيط ‏بالفيروس المستجد.‏

فعلى خلاف معظم فيروسات الجهاز التنفسي الأخرى، التي تكون مظاهر المرض ‏غالباً أكثر حدة عند الأطفال، يسير فيروس كورونا وتحوراته بالاتجاه المعاكس.‏

وقد يكون الأطفال الذين لا يعانون من أعراض أو أعراض خفيفة من كوفيد-19 ‏حاملين كميات كبيرة من فيروسات المرض، ما يؤدي إلى تضاعفها وخلق مستودع ‏محتمل لانتقال وتطور المتغيرات الجينية للفيروس.‏

ونظراً لتطور الإرشادات حول التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات حتى بعد أخذ ‏اللقاح لدى الناس الأكبر سناً، فإن الفهم الواضح لديناميكيات عدوى المرض لدى ‏الأطفال أمر بالغ الأهمية من أجل التطوير الصحيح لسياسات الصحة العامة ‏واستراتيجيات التطعيم للتخفيف من تأثير المرض.‏

وفي بحثها المنشور بمجلة "نيتشر" ‏Nature‏ ، تقول بيتسي هيرولد، طبيبة ‏الأمراض المعدية للأطفال التي ترأس مختبراً لعلم الفيروسات في كلية "ألبرت ‏آينشتاين" للطب في الولايات المتحدة، إن البيانات التي جمعتها المراكز الأميركية ‏لمكافحة الأمراض والوقاية منها من المستشفيات في جميع أنحاء البلاد، تشير إلى ‏أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً يمثلون أقل من 2% من حالات ‏دخول المستشفى بسبب كوفيد-19، وهو ما يجعل هذا الفيروس شاذاً إلى حد ما ‏بالنسبة لمعظم الفيروسات الأخرى من الإنفلونزا إلى الفيروس المخلوي التنفسي، إذ ‏عادة ما يكون الأطفال الصغار وكبار السن هم الأكثر عرضة للإصابة.‏

وبدأت الأبحاث في الكشف عن أن السبب الذي يجعل الأطفال يتمتعون بأداء جيد ‏ضد كوفيد-19 قد يكمن في الاستجابة المناعية الذاتية، وهي رد فعل جسم الطفل ‏السريع لمسببات الأمراض، حيث يبدو أن الأطفال لديهم استجابة ذاتية "سريعة ‏وجاهزة للانطلاق"، كما تقول هيرولد. لكنها تضيف أن هناك حاجة إلى مزيد من ‏الدراسات لدعم هذه الفرضية بشكل كامل، فقد جعل ظهور متغير دلتا للفيروس، ‏العثور على إجابات أكثر إلحاحاً، وتشير التقارير إلى أنه في الولايات المتحدة ‏وأماكن أخرى بدأ الأطفال يشكلون نسبة أكبر من الإصابات المبلغ عنها. وربما ‏تكون هذه الاتجاهات بسبب ارتفاع معدل انتقال الفيروس بسبب متحور دلتا، ‏وحقيقة أن كثيراً من البالغين محميون الآن باللقاحات.‏

في الوقت الحالي لا يوجد دليل واضح على أن الأطفال أكثر عرضة أو أكثر تأثراً ‏بمتحور دلتا، مقارنة بالمتغيرات السابقة، لكن كوفيد-19 مثله مثل جميع الفيروسات ‏يتحول باستمرار ويصبح أفضل في التهرب من دفاعات المضيف. وهذا قد يجعل ‏فهم الفوائد الوقائية للطفولة أكثر أهمية، كما يقول لايل يونكر اختصاصي أمراض ‏الرئة للأطفال في مستشفى "ماساتشوستس" العام في ولاية بوسطن بالولايات ‏المتحدة، في ورقة ما قبل النشر على موقع"ميد ريكسيف" ‏medRxiv‏.‏

تضارب الأفكار

ويتساءل عمر عرفان من مركز صحة الطفل العالمية في "مستشفى الأطفال ‏تورنتو" بكندا في بحثه المنشور في "‏Journal of Global Health‏": "لماذا ‏يكون الأطفال أفضل من البالغين في السيطرة على كوفيد-19؟".‏

اعتقد الباحثون في البداية أن الأطفال لا يصابون بالعدوى في كثير من الأحيان، ‏لكن البيانات تظهر أنهم على الأقل، خصوصاً الأطفال دون سن العاشرة، قد ‏يكونون أقل عرضة للإصابة.‏

وقد وجدت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال حتى أواخر الشهر الماضي، أن نحو ‏‏15% من جميع حالات كوفيد-19 في الولايات المتحدة كانت لأفراد تقل أعمارهم ‏عن 21 عاماً، أي أكثر من 4.8 مليون شاب. ووجدت دراسة استقصائية أخرى في ‏الهند اختبرت الأشخاص بحثاً عن أجسام مضادة ضد كوفيد-19 التي عادة ما يتم ‏إنتاجها بعد الإصابة أو بعد التطعيم، أن أكثر من نصف الأطفال الذين تتراوح ‏أعمارهم بين 6 و17 عاماً، وثلثي السكان بشكل عام لديهم أجسام مضادة يمكن ‏اكتشافها. وكان من الواضح أن الأطفال يصابون أيضاً، لذلك ربما لا يمكن ‏للفيروس أن يتكاثر في أجسامهم كما يفعل عند البالغين.‏

وبناءً على ذلك، اقترح بعض الباحثين أن الأطفال قد يكون لديهم عدد أقل من ‏مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين2 (‏ACE2‎‏) التي يستخدمها الفيروس لدخول ‏الخلايا وإصابتها، وأن هناك أدلة متضاربة حول الاختلافات المرتبطة بالعمر في ‏تعبير هذا الإنزيم داخل الأنف والرئتين.‏

لكن العلماء الذين قاسوا تركيز الجزيئات الفيروسية أو ما يسمى "الحمل الفيروسي" ‏في الشعب الهوائية العليا للأشخاص لم يروا فرقاً واضحاً بين الأطفال والبالغين، ‏كما يقول كارل بيرس من قسم الأحياء الدقيقة والمناعة في كلية ألبرت آينشتاين ‏للطب برونكس نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية وفريقه المنشور في مجلة ‏‏"‏JCI Insight‏".‏

ويضيف يونكر أن الرضع وحتى عمر المراهقة يمكن أن تكون لديهم حمولات ‏فيروسية عالية خاصة بعد فترة وجيزة من الإصابة. وهناك افتراض آخر هو أن ‏الأطفال الذين يبدو أنهم معرضون على مدار السنة لكثير من الفيروسات التنفسية قد ‏يكونون أكثر عرضة لفيروسات كورونا الأخرى التي تسبب نزلات البرد، وبالتالي ‏لديهم مجموعة من الأجسام المضادة جاهزة مع بعض القدرة على الالتصاق ‏بفيروس كورونا الوبائي، لكن كثيراً من الأدلة يشير إلى أن البالغين لديهم أيضاً هذه ‏المناعة.‏

الأجسام المضادة بدم الأطفال

رصدت إيمي تشونغ عالمة المناعة في "معهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة" ‏بملبورن أستراليا وزملاؤها في البحث المنشور بمجلة ‏Nature ‎Communications‏ ، بعض الأدلة في دراسة موسعة للأجسام المضادة في دم ‏بضع مئات من الأطفال والبالغين، بما في ذلك 50 مصاباً بفيروس كوفيد-19.‏

ووجدت أن البالغين لديهم أجسام مضادة تفاعلية استهدفت أجزاء من الفيروس تشبه ‏أجزاء من فيروسات كورونا الأخرى، بينما يميل الأطفال إلى إنتاج مجموعة أوسع ‏من الأجسام المضادة ضد جميع أقسام الفيروس. ويبحث المختصون أيضاً في ‏عوامل أخرى من المعروف أنها تزداد سوءاً مع تقدم العمر مثل القدرة على التحكم ‏في الالتهاب وشفاء الأنسجة التالفة، أضف إلى ذلك أن الأطفال أقل عرضة لتكوين ‏الجلطات في الأوعية الدموية، وهو ما يمكن أن يوفر بعض الحماية، كما تقول فيرا ‏إجناتوفيتش، عالمة الكيمياء الحيوية التي تدرس أمراض الدم لدى الأطفال في معهد ‏مردوخ لبحوث الأطفال (‏MCRI‏) ملبورن أستراليا.‏

من جهة أخرى، يعتقد مايكل ليفين طبيب الأطفال وطبيب الأمراض المعدية في ‏‏"إمبريال كوليدج لندن" ببحثه المنشور بمجلة "(‏NEJM) New England ‎Journal of Medicine‏"، بأنه مع استمرار انتشار الوباء يشعر الباحثون بالقلق ‏من أن الفيروس يمكن أن يتطور بطرق تحبط جزءاً من الحماية الذاتية للأطفال، ‏حيث وجد بعض الباحثين أن متغير ألفا الذي كان سائداً في بعض أجزاء العالم ‏لبعض الوقت طور حيلاً سمحت له بقمع الاستجابة المناعية الذاتية للجسم.‏

وهم الآن قلقون من أن المتحور دلتا يمكن أن يفعل الشيء نفسه في الوقت الحالي، ‏إذ يبدو أن زيادة دخول الأطفال إلى المستشفيات في المناطق التي تنتشر فيها دلتا ‏ناتجة عن عدواه عبر جميع الأعمار، إلى جانب حقيقة أن كثيراً من البالغين قد تم ‏تطعيمهم أو أصيبوا بالفعل بفيروس كوفيد-19، لكن الباحثين يراقبون تلك ‏التطورات بعناية.‏

أما هيرولد فتقول: "لقد طورت جميع الفيروسات تقريباً طرقاً للتهرب من الجهاز ‏المناعي الذاتي ولا يُعد (كوفيد - 19) استثناءً لهذه القاعدة". "ولحد الآن لا يزال ‏الأطفال يفوزون بحصانتهم الذاتية"، ولكن إلى أي مدى؟، وهذا ما لا نعرفه.‏



العربية.نت

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

19 أيلول 2021 16:54