كتب خالد صالح (*):
لم تكن ظهيرة يوم الجمعة الموافق في 19 تشرين الأول 2012 عادية ولم تمرّ مرورَ الكرام، وسام الحسن "شهيدا"، الخبر الذي نزل كالصاعقة على الجميع، فصائد "الطرائد" سقط طريدة على مذبح الوطن ..
تسعُ سنوات مرّت على "الضربة" التي قصّت ظهر "14 آذار" وجعلتها تقف عارية أمام رياح المتغيّرات التي بدأت تطل برأسها على لبنان والمنطقة، فتهاوت سريعًا بعدما خسرت درعها وشبكة أمانها، تسعُ سنوات ويبقى لغز انكشاف أشد "رجال الأمن" حرصًا ونباهة مجهولًا ومحيّرًا في آن، فيبرز السؤال المنطقي : أي عقل هذا الذي فكّر وخطط ونفذ ؟.
قبل تسع سنوات ارتقى "وسام الحسن" شهيدًا بعدما بات أصغر ضابط في لبنان يحمل رتبة "لواء"، الرتبة التي كان يبتسمُ كلما سمعها من رفاقه أو مرؤوسيه ويُجيبهم بعبارته الأحب إلى قلبه "لا تضعني في صراع مع القدر، ما أقوم به مصيره واحد من ثلاثة إذا كان حظّي جيدًا، المنفى أو السجن، وإلا فالقبر".
لم يختر "وسام الحسن " الاستشهاد كخيار بل لاقاه كـ "قدر"، القدر الذي جعله يعرف أكثر مما ينبغي حتى أصبح "الهدف" الأغلى لكل من يعرف عنه شيئًا، ربّما هي معادلة غير سوية، لكن أن تكون في لبنان وتصبح على دراية عميقة بتفاصيل الكثير من الأحداث وأسرارها، يصبح رأسك مطلوبًا برصاصة من كاتم للصوت أو بعبوة ناسفة أو سيارة مفخخة، فكيف إن كان هذا الرجل بحجم "وسام الحسن" .
منذ 9 كانون الثاني 2006 لحظة تسلمه قيادة "فرع المعلومات" بات في دائرة الاستهداف المباشر، ليس فقط لدوره مع "الوسام" الآخر "الرائد الشهيد وسام عيد" في فكفكة طلاسم زلزال 14 شباط 2005، بل لقدرته الفائقة في نسج شبكة هائلة من العلاقات الأمنية داخليًا واقليميًا وعربيًا ودوليًا، حتى أصبح المحور التي تدور حوله الكثير من الأسرار التي يملك الإجابات عليها، ليخترق السياسة من باب الأمن فاستطاع بناء شخصية فريدة في الكثير من المقومات ليترك بصماته واضحة في قراراتها .
لم ينف "الحسن" ارتباطاته بالرئيس سعد الحريري أو قربه من قادة 14 آذار، لكنه لم يكن ذلك الشخص الذي "يبصم" أو يقول "أمرك" بهدف الحفاظ على الموقع والدور، كان أكثر عقلانية ودينامية وصاحب مواقف صلبة وكبيرة في لحظات مفصلية ودقيقة، من حرب تموز 2006 إلى اعتصامات وسط بيروت وصولًا إلى السابع من أيار 2008 والتي لعب فيها دور الاطفائي المتلقف لـ "كرة النار" واستطاع تحييد الصراع عن الكثير من المناطق .
كانت حربه على "التجسس" طاحنة فتهاوت "الشبكات الداخلية" أمام استراتيجيته الفذة، وحقق انجازات خارقة في هذا الملف الدقيق والحساس، ورغم فقدان الثقة بينه وبين "حزب الله" إلا أنه استحوذ على إعجابهم بما يملك من قدرة على إدارة الملفات الأمنية بدقة العارف مسار الأمور، في لحظات كانت المنطقة برمتها تقف فوق صفيح ساخن .
إكتسب "الحسن" الكثير من الحضور الفذ نتيجة قربه اللصيق من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكان دائمًا ما يردد مقولته العظيمة "لبنان الذي يطحن التاريخ وصانعيه"، ولطالما تمسّك بـ "شعرة معاوية" فلم يقطعها مع أحد بالمطلق، ومن هذه القدرة الفائقة استطاع بناء الجهاز الأمني الأقوى والأكثر فاعلية في حقبة ما بعد الطائف، لم يضع الحواجز بينه وبين فريقه فبات الجميع من حوله "كتلة متراصة" بعد أن كسر "النمطية" التقليدية المعروفة في رجال الاستخبارات، فمنحهم بذلك الثقة والأمان ووفّر لهم الإمكانات المتطورة للإبداع وتحقيق الإنجازات .
انتقل بـ "شعبة المعلومات" من مرحلة العمل التقليدي المشوب بالرتابة، نحو آفاق مختلفة في الأداء الأمني، كان يتقن بحرفية قراءة الخلل ومكامنه ويملك المقدرة على صوغ المعالجة له، من دون أي تأثيرات سلبية بل على العكس تطور مستمر ونتائج مذهلة بسرعة قياسية، لم يطلب أمورًا خارقة أو إعجازية، بل دائًما ما يقول "الجود من الموجود"، محافظًا على مكانته في عيون أصدقائه وخصومه على السواء، من دون أي تزلّف أو مسايرة على حساب رسالته الوطنية وموقعه الأمني الكبير .
"قول الله" الكلمة الأكثر مرورًا على شفتيه كلما تكاثرت التحذيرات الأمنية له، لم يلتفت لتكاثر الأعداء من حوله فقد كان يعرف أن رأسه مطلوب ليس فقط للدور الذي يؤديه، بل لحجم المعلومات والمعطيات التي يملكها، وهي من دون شك معلومات جدًا خطيرة ودقيقة ولا ينبغي أن تكون بحوزة "رجل واحد"، فكيف إن كان هذا الرجل هو "وسام الحسن" .
تسع سنوات والتحقيقات ماتزال مبهمة حول هذه الجريمة الكبيرة بحق لبنان، تسع سنوات مرّت على اغتيال من جعل الأمن في لبنان يأخذ أبعادًا مختلفة عن الأنماط التي كانت متبعة، تسع سنوات ولبنان منذ 19 تشرين الأول 2012 لم يشعر يومًا أن أمنه بخير .
(*) مسؤول شؤون الاعلام في منسقية البقاع الغربي وراشيا
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.