ليس في الإمكان إنكار ما بلغه حال البلد من انقسام أفقي وعامودي حول كلّ شيء، بما لا يترك مجالاً للشك بأنّ هذا البلد، مع المنحى السائد وما يرافقه من تهديدات وعرض عضلات وتحريض ووعيد، يرقى الى مستوى الجريمة، دخل مرحلة هي الأخطر على حاضر اللبنانيين ومستقبلهم. كما ليس في إمكان أيّ من المتسببين بهذا الانقسام، الإغتسال والتطهّر منه، مهما حاولوا ان يتنصلوا من مسؤوليتهم، او ان يتباكوا بدموع ناشفة على البلد وأهله، فيما هم جعلوا كلّ الملفات الداخلية منصّات لخلق سياقات خلافية يصبح فيها اللبناني مذعوراً من أخيه اللبناني، ومتاريس للمناكفات وتصفية للحسابات قبل الاستحقاقات، وسلعاً معروضة للبيع والشراء والمساومات، في بازار الصراع السياسي المفتوح في ما بينهم.
هذه الصورة الملبّدة، لا تُرى فقط بعيون اللبنانيين، بل هي محلّ رصدٍ قلقٍ من قبل البعثات الديبلوماسية في لبنان. وبحسب معلومات موثوقة لـ"الجمهورية"، فإنّ مشاورات بين عدد من السفراء العرب والأجانب، جرت في الأيام الاخيرة، انتهت الى تقييم خطير جداً للوضع في لبنان، وقد أرسلت تحذيرات بهذا المعنى الى جهات سياسية ورسميّة لبنانية، مع تشديد على دور الجيش اللبناني في حماية الاستقرار الداخلي.
وأبلغت مصادر ديبلوماسية عربيّة إلى "الجمهورية" قولها، إنّها "مذهولة من الأحداث الأخيرة. فلبنان في خطر حقيقي، والمسؤولية تقع على المسؤولين السياسيين في رفع الخطر ومنع انزلاق الوضع الى منحدرات غاية في الخطورة، نخشى معها ان يلحق الأذى البالغ بالشعب اللبناني، ويُدَفّع ثمن الصراعات والخلافات السياسيّة".
ونُقل في هذا السّياق، عن سفير دولة كبرى قوله: "إنّ الوضع في لبنان يبعث على القلق"، مشيراً الى انّ بلاده تنظر بحزن الى ما سمّاها "المأساة التي يعيشها الشّعب اللبناني"، وتحثّ القادة اللبنانيين "على تجنّب الإخلال باستقرار هذا البلد".
واتهم السفير المذكور "حزب الله" بـ"خلق مناخات التوتير"، وقال "انّ بلاده تنظر بريبة شديدة الى محاولة إعاقة مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وهو الامر الذي يجب ان يستمر، وكشف الحقيقة امام الشعب اللبناني".
ومن باريس، لفتت مصادر ديبلوماسيّة، انّ ادارة الرئيس ايمانويل ماكرون في غاية القلق حيال تطوّر الوضع في لبنان، كاشفة أنّ باريس وجّهت رسائل مباشرة الى مرجعيات سياسية في لبنان، تشدّد من خلالها على تغليب منطق التهدئة وعدم التسبّب بما يفاقم الوضع الصّعب الذي يعانيه الشّعب اللبناني.
وبحسب المصادر، فإنّ باريس تشدّد على اولوية استمرار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت من دون مداخلات او ضغوط، توصلاً الى كشف حقيقة هذه الكارثة ومعاقبة المتورطين فيها. وهي في الوقت نفسه، تعتبر انّ تعطّل الحكومة في لبنان امر يزيد من تفاقم الأزمة، ومن هنا فإنّها تشدّد مجدداً على عودة الحكومة سريعاً الى استئناف مهمتها وانصرافها الى تطبيق برنامج الاصلاحات والمعالجات للأزمة. وباريس كما وعد الرئيس ماكرون الرئيس نجيب ميقاتي، ستكون الى جانب الحكومة شرط ايفائها بالتزاماتها.
وفيما تردّد في اوساط ديبلوماسية عن ارسال باريس موفداً فرنسياً الى بيروت في وقت قريب، لم تنف المصادر الديبلوماسيّة من العاصمة الفرنسيّة هذا الاحتمال، الّا انّها قالت: "قد تكون هذه الفكرة مطروحة، الّا أنّه لا شيء رسمياً يؤكّد ذلك حتى الآن. علماً انّ التواصل لم ينقطع بين باريس وبيروت".
وبحسب معلومات "الجمهورية"، فإنّ في السياق القلق على لبنان، إندرج نقاش بين مسؤول اممي ونواب من لجنة الشؤون الخارجيّة في مجلس النوّاب، حيث لم يخف المسؤول المذكور خوفه مما سمّاها "تطورات دراماتيكية" تتهدّد لبنان، إن استمرّ الوضع على ما هو عليه من تأزّم خطير. وقال: "بعد الأحداث الاخيرة التي حصلت، اتصلنا بالقيادات اللبنانيّة وكبار المسؤولين وشدّدنا على ضبط النفس واحتواء ما حصل، وقد لمسنا بوضوح قلق تلك القيادات، وما زلنا ننتظر ان تقوم بوضع ضوابط جدّية تمنع الانهيار، والتي لا تحتمل اي تأخير".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.