————-جورج بكاسيني
في حيّ صغير من أحياء الطيونة اجتمع فائضان ، واحدُ من القوة وآخر من الوهم ، فاكتمل نصاب الإنهيار . خرجت الشعارات النائمة من أوكارها : " شارع مقابل شارع" و"سلاح مقابل سلاح" . ضاقت المحلّة بأوهام الرؤوس الحامية . بعضهم ظنّ أن طريق إسقاط طارق البيطار يمرّ من هناك ، وبعضهم الثاني أن فوزه في الانتخابات العتيدة ( النيابية واستطراداً الرئاسية ) يمرّ من الحيّ نفسه ، فاكتملت عدّة الإنتحار .
لم يكن ينقص اللبنانيين سوى غزوة ١٤ تشرين لتنبش من ذاكرتهم صور الحرب الأهلية وأدبياتها وأساطيرها الحبلى بالإنتصارات الوهمية . لم يكن ينقصهم بعد الإنهيار غير المسبوق وانفجار المرفأ وطوابير الذلّ على أنواعها سوى فتيل الطيونة .
رغم خسارته جمهوراً واسعاً من اللبنانيين والعرب والمسلمين عقب غزوةً ٧ أيار ، لم يتردّد " حزب الله" في تكرار الموقعة نفسها في ١٤ تشرين . ورغم خطابه الهادئ بعد غزوة الطيونة لم يتردّد السيد حسن نصرالله في استثارة مشاعر المسيحيين واللبنانيين عموماً مع إعلانه امتلاك تنظيمه العسكري مئة ألف مقاتل . ربما فات الحزب أن استخدام القوة ضد العدو يُصنّف في خانة الحلال ، أما اللجوء إليها مع الشركاء فهو حرام .
ورغم سعيه الدؤوب لنزع ثياب الحرب عنه خلال خمسة عشر عاماً ، لم يتردّد حزب " القوات اللبنانية" في العودة الى صورته السابقة خلال ساعات . عمّت الأناشيد العسكرية مواقع التواصل ، ومعها أدبيات الحرب والسلاح حتى بات اقتناء الأخير " مطلباً شعبياً". بروباغندا قديمة
- جديدة استعادت أدبيات " الكرامة الطائفية" . كما لم يتردّد الدكتور سمير جعجع في الإيحاء إما مباشرة أو عبر بعض المقالات أنه انتهى للتوّ من توجيه ضربة قاضية للشيعة وأنه يستعدّ الآن لأن يُتوّج " الزعيم الأول للسنّة" . ولئلا يلتبس الأمر على بعضهم سارع هو شخصياً لنعي تيار " المستقبل"وتصنيفه" خارج اللعبة"، مؤكِداً المؤكد أنه يقوم بما سمّاه "جهداً في طرابلس وعكار" ، لتثمر "جهوده" هذه استضافة اللواء المتقاعد أشرف ريفي مبايعاً .
مع انطلاق أعمال " القمة" بين جعجع وريفي في معراب ، بعد ساعات من غزوة الطيونة ، ظنّ اللبنانيون أن الساعة الصفر لاجتياح طهران قد حُدّدت ، خصوصاً أن للواء المتقاعد خبرات قتالية عابرة للقارات ، ما زالت راسخة في ذاكرة أهل بيروت منذ غزوة ٧ أيار ، عندما طلب حماية الجيش له ولمقرّ مديرية قوى الأمن الداخلي . لكن جعجع وريفي اللذين أطلقا إشارة الى اليمين ، فاجآ العدو متوجّهَين نحو اليسار ، فشَرعا بتركيب اللوائح الإنتخابية في " طرابلس وعكار".
خطة مُحكَمة و"ملعوبة" أعدّها الرجلان ، ظاهرها مواجهة " حزب الله" وإيران وباطنها مواجهة سعد الحريري ، مستعينةً أيضاً بالخبرات الإنتخابية للواء المتقاعد الذي لم يستطِع هو وأعضاء لائحته كلهم جمع حاصل انتخابي واحد في الإنتخابات النيابية الأخيرة .
نجح السيّد في تقديم " هدية" انتخابية مجانية لعدوّه المستجدّ جعجع . ونجح الحكيم في تذكير عدوّه التاريخي " التيار الوطني الحرّ" بماضيه العسكري الذي كان سبباً رئيسياً لتقدّم الأخير عليه . ونجح اللواء في العودة الى الشاشة ولو لبضعة شهور حتى إنجاز الإستحقاق الانتخابي . وخسر اللبنانيون ما تبقى من استقرار بانتظار ما ستؤول إليه التسويات القادمة الى المنطقة ، التي ستثبت مرة جديدة أن بعضهم توجّه الى الحجّ " والناس راجعة "..
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.