في أوج الانهيار وانزلاق الجمهورية الى صراع العصبيات والهويات، اختار الدكتور نزار يونس طريق "الكتاب"، اي الدستور، بوصفه الملاذ الوحيد، والمظلة الواقية للبنان واللبنانيين. لم يكن خياره حلمًا أو وهمًا صعب المنال، إنما حقيقة سبق أن خاض الرئيس فؤاد شهاب غمارها ونجح، فحمى الجمهورية من أفاعي الطائفية والزبائنية في آن.
مرة جديدة، اقتحم نزار يونس أسوار المحرمات (التابو) فشرّح أمراض الجمهورية، واحدًا تلو الآخر ، دون كلل أو خوف أو قفازات. فنّد بين دفتي كتابه الجديد "الميثاق والانفكاك - الطائف ذلك المجهول" مسلسلاً من المعوقات التي تحاصر نظامنا السياسي ، مستعينًا بأفكار واقتراحات وثوابت هي الأنجع لتجاوز ما نحن فيه من ويلات وانهيارات سياسية واقتصادية واجتماعية ، وثقافية أولاً. من "عين الحفة" المكان الأحب الى قلبه، عاد نزار يونس الى مسقط رأس الحل ، الى اتفاق الطائف "المجهول" والمنبوذ والمهمّش في زمننا الرديء اليوم، ونفض الغبار عن معنى "لبنان الكبير" وعروبته ودوره الحضاري ورسالته التي تسمو فوق زواريب السياسة. أعاد الروح الى ثقافة التمسك بالدستور والميثاق، مقدمًا البراهين على أن المعضلة ليست فيهما وانما في عدم تطبيقهما,
وسط الصخب الطائفي المقيت المتنقل من أقصى الجمهورية الى أقصاها، لم يتردد نزار يونس في الدفاع عن "حمهوريته" البريئة من دم هذا الوباء... حتى اذا لجأ بعضهم الى بدعة "الديمقراطية التوافقية"مزّق أوهامها "من الوريد الى الوريد".
ليس تفصيلاً أن يواجه مثقف باللحم الحي أساطير وأوهامًا منتفخة طالما شلّعت أسوار لبنان، وأن يتقدّم صفوف المدافعين عن الكيان في وجه النزعات والنزاعات في زمن التكفير السياسي والعبث والهذيان.
وليس تفصيلاً أن يكون ماروني أكثر فهمًا لـ"ذلك المجهول" من بعض من وضعوه، لا بل أكثر تمسكًا بمعنى هذا الطائف بدوره الاستثنائي في نقل الجمهورية من مكان الى آخر أكثر إشراقًا.
وليس تفصيلاً أكثر وأكثر أن يبقى نزار يونس ثائرًا على امتداد ستين عامًا .فكما كان ثائرًا منذ ترؤسه للاتحاد الوطني للطلاب الجامعيين في ستينات القرن الماضي، مواكبًا تجربة فؤاد شهاب والأب دويريه عن قرب، بقي في "غربة الثمانين" ثائرًا ضد الأمراض نفسها التي ما زالت ملائكتها حاضرة حتى اليوم...
من يقرأ هذا الكتاب - المرجع يظن للوهلة الأولى أن "جمهورية" نزار يونس "ليست من هذا العالم"، والواقع أنه في مقدمة المنتمين اليه، أما الآخرون الذين يتناوبون على تقويض الجمهورية ودستورها وميثاقها، الواحد تلوَ الآخر، فليسوا من هذا العالم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.