درجت العادة مع انفجار أي أزمة أن يعود اللبنانيون الى السؤال : أي لبنان نريد؟ تقليد عمره من عمر الاستقلال ، وكأن حدود لبنان مفتوحة وقابلة للترسيم في أي وقت .
لكن الأخطر أن بعض من جرّبوا الفيدرالية في مرحلة الحرب الأهلية وجرّبوا مخاطرها يحنّون إليها اليوم ، وأن من رفعوا في الماضي شعار " لبنان أصغر من أن يُقسّم وأكبر من أن يُبتلع" يعتبرون الفيدرالية اليوم حلّا .
هذا واقع الحال في المزاج المسيحي الممتدّ بين ميرنا الشالوحي ومعراب . فبعد فشل تجربة " العيش معاً" تحت سقف " تفاهم معراب" ، تناوب طرفا " التفاهم" الراحل على التلميح المتكرّر الى صعوبة " العيش" مع الآخرين عن طريق " كلمة السرّ" التقليدية : الفيدرالية .
هذا الاتجاه الصريح الذي عبّرت عنه أصوات من الجانبين قبل " غزوة الطيونة" وبعدها ، وانضمّت إليه مجموعات جديدة تنشط جهاراً عشية الانتخابات النيابية العتيدة ، يثير مجموعة من الأسئلة :
-هل يجرؤ المسيحيون ، أو غيرهم، على العودة الى لازمة " الفيدرالية" بعد أن جُربت مرتين وكانت نتائجها وبالاً عليهم وعلى جميع اللبنانيين : الأولى مع تجربة " القائممقاميتين" التي انفجرت حرباً أهلية مدمّرة في الجبل العام ١٨٦٠ . والثانية عقب حرب ١٩٧٥ التي فرضت فيدرالية أمر واقع أضافت الى الحرب الطائفية حروب "إلغاء" داخل كل طائفة ، وخصوصاً عند المسيحيين ، من مجزرة إهدن مروراً بمجزرة الصفرا وصولاً الى " حرب الإلغاء" ؟
- كل الفيدراليات المعتمدة في العالم تقوم على ركيزتين : سياسة خارجية موحّدة وسياسة دفاعية موحّدة ، فكيف يمكن اللجوء الى هذا الخيار وسط استحالة توافق اللبنانيين على واحدة من الركيزتين ؟
- اللجوء الى الفيدرالية يعني الخروج من الطائف ، فكيف يمكن الرهان على خيار سبق أن جُرّب وكان وبالاً على اللبنانيين والخروج من آخر لم يطبّق بعد والمعضلة تكمن في عدم تطبيقه وليس في نصوصه ؟
-ليس غريباً أن يلجأ التيار " الوطني الحرّ" الى خيار غير الطائف وقد عارضه منذ نعومة أظفاره ، لكن هل خرجت " القوات اللبنانية" من هذا المدار بعد أن كانت في مقدمة المدافعين عنه، وهل تحوّلت معراب الى منصة لاحتضان الفيدراليين ( استقبال الدكتور سمير جعجع مجموعات "فيدرالية" من المسلمين من بيروت والمناطق ) وتسويق أفكارهم؟
- الطائف يعني من بين ما يعنيه توافق اللبنانيين على انتماء لبنان العربي ، الذي قادته في حينه المملكة العربية السعودية ومعها العرب ، وما زالت تتمسك بهذا المسار ، فكيف يخرج منه لبنانيون يعلنون جهاراً الدفاع عنه ؟
ربّ قائل أن الإستحقاقات الإنتخابية تُطلق العنان في بعض الأحيان لشعارات وشعبويات " مشروعة" . لكن هل تستحقً الانتخابات النيابية كل هذا الضجيج وهذا التفلّت من ثوابت وطنية وعربية من أجل مقعد نيابي هنا أو هناك ، والكلّ يعلم أنها لن تحدث تعديلاً ملحوظاً لا في ميزان القوى الوطني ولا المسيحي حتى ؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.