تتجه أنظار شعوب لبنان والمنطقة الى قبرص واليونان، إذ يحلّ الحبر الأعظم البابا فرنسيس ضيفاً كبيراً عليهما في رحلة يبدأها اليوم، هي الخامسة والثلاثين له منذ انتخابه في العام 2013 ، وتستغرق خمسة أيّام (من 2 الى 6 كانون الأول الجاري)، حيث سيُثير قضية المهاجرين واللاجئين مجدّداً، والحوار بين الأديان، ويزور خلالها جزيرة «ليسبوس» التي تُعتبر رمزاً لأزمة الهجرة. وتأتي الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس الى بلدين جارين للبنان، وسط تمنّي اللبنانيين بأن تكون زيارته التالية لبلدهم الذي يئن ويُعاني من أزمة إقتصادية ومالية ومعيشية خانقة غير مسبوقة. فهل سيكون لهذه الزيارة التاريخية للبابا الى منطقة الشرق الأوسط أي تأثير إيجابي على لبنان، لا سيما بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى الفاتيكان حيث التقى قداسته؟ وهل من زيارة متوقّعة له للبنان خلال العام 2022؟!
مصدر كنسي يرى في زيارة البابا فرنسيس الى قبرص (من 2 ك1 الى 4 منه) حيث سيطلق «نداء من أجل الوحدة والسلام» لتوحيد الجزيرة التي تبدأ غداً الخميس، ومن ثمّ الى اليونان حيث يُثير أزمة المهاجرين، بَرَكة حَبرية للمنطقة ككلّ، يحصل منها لبنان على مباركة الحبر الأعظم من خلال مواكبة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لزيارة قداسته الى نيقوسيا. ففي قبرص، يرأس البابا فرنسيس الجمعة في 3 كانون الجاري، الذبيحة الالهية التي يُشارك فيها البطريرك الراعي، ثم يعقد لقاء مع الإكليروس الكاثوليك في كاتدرائية «سيّدة النعم»، يليه لقاء مع المهاجرين الكاثوليك في كنيسة اللاتين، على أن يستقبله كبار المسؤولين القبرصيين، ويلتقي خلال زيارته الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس.
ومن هنا، يضيف المصدر الكنسي، فإنّ البطريرك الراعي سيلتقي مع الإكليروس الكاثوليك قداسة البابا الذي يضع لبنان دائماً في قلبه، وسيحمل منه بركته للبنانيين ورسالة الى هذا البلد الحبيب الذي ينوي زيارته بالطبع، من دون تحديد أي موعد لهذه الزيارة حتى الآن. وقد سبق وأن أعلن إثر زيارته التاريخية الأخيرة الى العراق أنّ زيارته التالية ستكون للبنان. فالبابا حريص على زيارة لبنان، ويُرسل إليه في شباط من العام المقبل وزير خارجية الفاتيكان المطران بياترو كاليغر للقاء المسؤولين والإستماع منهم على تفاصيل الأزمة. ولكن على المسؤولين اللبنانيين أن يقوموا بالتحضير لزيارة البابا، إذ لا يُمكن حصولها في ظلّ عدم اجتماع الحكومة، وفي ظلّ الإنقسامات السياسية التي تشهدها البلاد. لهذا عليهم التوافق أوّلاً، ومن ثمّ دعوة قداسته لزيارة لبنان، لا سيما وأنّ للحبر الأعظم جدولاً يلتزم به.
ويقول المصدر بأنّ البابا فرنسيس يذكر لبنان دائماً في صلواته، وقد خصّصه بعد الزيارة الأخيرة لميقاتي الى الفاتيكان بصلاة قال فيها: «أيّها الرب الإله، خُذ لبنان بيده وقُل له: إنهض، قُم»! ، كما فعل يسوع مع إبنة يائيريس. فالبابا يدعو للبنان دائماً لكي يقوم من أزمته، ويتغلّب على محنته. كذلك فإنّ البابا دائم الإطلاع على ما يجري في منطقة الشرق الأوسط ومنها لبنان، والقلق الأول لديه هو معاناة الناس اليومية والمعيشية والإقتصادية واستقرار لبنان والعيش المشترك وكيفية صونه والحفاظ عليه كنموذج للتعايش بين الأديان والطوائف في المنطقة.
وأوضح المصدر نفسه، أنّ كلمة قداسته مسموعة لدى حكّام دول العالم أجمع، ولهذا فالرسائل القويّة التي يُطلقها خلال زياراته التاريخية غالباً ما تلقى الصدى الإيجابي. وبحسب المعلومات فإنّ البابا سيُكرّر في قبرص واليونان دعوته الى العالم للتنديد بأزمة الهجرة، بعد التوتّرات بين الإتحاد الأوروبي وبيلاروسيا ومأساة بحر المانش التي قضى فيها 27 مهاجراً. علماً بأنّ لبنان دخل مع الأسف، في موجة المهاجرين، من خلال لجوء بعض العائلات الى الهجرة غير الشرعية في القوارب مع جنسيات أخرى، كما من خلال طلب اللجوء من قبل بعض اللبنانيين المسافرين الذين توقّفوا في إسبانيا أخيراً. ويعلم البابا فرنسيس، بأنّ لبنان يستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين يُوازي نصف عدد سكانه، ويُثمّن له استضافته هذه لهم.
ويريد البابا الذي يقيم قدّاساً كبيراً في أثينا خلال زيارته الى اليونان (من 4 ك1 الى 6 منه)، القيام برحلة خاطفة الى جزيرة ليسبوس الواقعة في بحر إيجه، على بُعد أقل من 15 كلم من الساحل التركي، وإرسال رسالة قوية الى دول العالم، لا سيما الدول الأوروبية منها حول أزمة المهاجرين. وقد سبق أن زار هذه الجزيرة في العام 2016 وأطلق شعار «نحن كلنا مهاجرون». ومن خلال إصدار إعلان إنساني، يرغب قداسته في توعية المواطنين الأوروبيين أمام قضية اللاجئين التي تهتمّ بها الكنيسة سيما وأنّ البحر الأبيض المتوسط بات مليئاً بالغرقى منهم. كما سيحثّ الدول الأوروبية على الإعتراف بالثقل الذي تتحمّله اليونان، ويُذكّرها بأنّها مسؤولية مشتركة.
وأشار المصدر الى أنّ للبابا فرنسيس أجندة سنوية تتضمّن زياراته لدول العالم، كان قد أجّل بعضاً منها بسبب جائحة «كورونا» خلال السنتين الأخيرتين ومنها زيارة قبرص واليونان، إلّا أنّه عاد لاستئناف رحلاته البابوية. ويتوجّه قداسته نحو الدول الأكثر فقراً ومعاناة، فبعد زيارته للعراق، زار سلوفاكيا وبودابست في أيلول الفائت، واليوم يزور قبرص واليونان رغم أنّهما بلدان تغلب عليهما الطائفة الأرثوذكسية، ولا يقيم فيهما سوى عشرات الآلاف من الكاثوليك. ويرغب البابا في تعزيز الروابط مع الطائفة الأثوذكسية التي ضاعف تجاهها أخيراً بوادر الأخوة، إذ طلب من البطريرك القسطنطيني برثلماوس أن يُباركه، كما يودّ تعزيز الحوار مع سائر الطوائف والديانات. وينوي مواصلة رحلاته خلال العام المقبل (2022) وسيزور أولاً أوقيانيا.
وذكر المصدر الكنسي عينه ل"الديار" أنّ البطريرك الراعي سيبقى في قبرص بعد مغادرة البابا الى اليونان، حيث يرأس قداساً في كنيسة «سيدة النعم»، ويجري اتصالات مع عدد من القادة السياسيين والمسؤولين الروحيين قبل أن يعود الى بيروت في اليوم التالي. وتصبّ محادثاته بالطبع في إيجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها لبنان واللبنانيون، وفي إطار بحث القضايا التي تهمّ شعوب المنطقة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.