راشد فايد – النهار
أعادت قمة جدّة السعودية – الفرنسية الأزمة اللبنانية إلى مناهل حلها، وصوبت الجدل في شأن الخروج منها، وتحديد درب الوصول بها إلى بر الأمان، بالتزام لبنان بمنهج عمل وطني لم تكل قوى الهيمنة المسلحة في الإصرار على ضربه والحيلولة دون الوصول إليه، سراُ وعلانية، وهي إذ تبدي، أحياناً، ليونة لفظية فإنما لتحضير انقضاض جديد على حلم اللبنانيين بالسيادة والإستقرار والتقدم، لذا بدا لافتا إعطاء الأولوية، في الشأن اللبناني، في بيان القمة، لتنفيذ "إصلاحات شاملة في قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود" أي عمليا ما نادى به الرئيس الفرنسي في زيارتيه للبنان عقب مجزرة مرفأ بيروت، ولم يتحقق منها بند، وهو، إذ كرر في هذا الصدد، طروحاته في العام الماضي، فإنه تراجع، من جهة أخرى، عن دعوته اللبنانيين إلى "نظام جديد" بأدخال "اتفاق الطائف" في لائحة "الإصلاحات الشاملة" التي ذكرها البيان.
وعلى عكس ما طالب به ماكرون قبل سنة، فإن البيان المشترك لم يترك هم الإصلاحات بأيدي اللبنانيين وحدهم، بل أكد أن السعودية وفرنسا "ستعملان مع لبنان لضمان تنفيذ هذه الإجراءات". أي أن الطرفين سيراقبان مباشرة تقدم العمل بهذه الإصلاحات.
وبمقدار ما حملت الحفاوة الفرنسية في قصر الصنوبر برئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد، العام الفائت، من مدلولات، فإن عكسها واضح في التشديد في البيان المشترك "على ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، ومراقبة الحدود، وألا يكون لبنان"منطلقا لأي أعمال ارهابية تزعزع استقرار وأمن المنطقة، ومصدرا لتجارة المخدرات". يكتمل المغزى في كل ذلك بوضعه في إطار "قرارات مجلس الأمن 1559 و1701 و1680" وبالتشديد على تعزيز دور الجيش في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان.
جاء لبنان كواسطة العقد في البيان المشترك، سبقته الشؤون الثنائية والإقليمية والدولية، وتبعته الشؤون العراقية واليمنية، واحتل إنشاء آلية مساعدات إنسانية نحو نصف الفقرة المكرّسة للشأن اللبناني، على أن تكون في إطار يضمن الشفافية التامة، ويظهر عزم البلدين "على التخفيف من معاناة الشعب اللبناني"، ووفق مصادر الوفدين فإن "مؤسسة الملك سلمان الإنسانية" ستشرف على المبادرة المشتركة تجاه لبنان من الجهة السعودية، وهو ما يتيح لها التعامل مع اللبنانيين من دون المرور بالإدارة الحكومية والوقوع في حبائل الروتين المعروفة به.
قد يكون الرئيس ماكرون أبرز الرابحين، فجرعة الانعاش الإقتصادي التي تمثلت بعقود تسلح مع الإمارات العربية المتحدة والسعودية، لا بد سترفع أسهمه في انتخابات الرئاسة الفرنسية في آذار المقبل، وتبلور باريس معبرا سعوديا إلى الإتحاد الأوروبي فيما أظهرت للسعودية نافذة على مؤتمر فيينا النووي.
يبقى أن الشق اللبناني من البيان السعودي – الفرنسي يبدو جدياً أكثر مما يحتمل، فالطرف الذي يستطيع أن يحول دون تنفيذ مضمونه ميدانيا، ليس الرئيس نجيب ميقاتي الذي تواصل هاتفيا مع الرئيس وولي العهد، وليس محمد بن سلمان وليس أيمانييل بن جان ميشال ماكرون، بل حسن نصرالله بن علي خامنئي الأب الروحي الإيراني.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.