لجأ الرئيس ميشال عون إلى فتح الباب أمام بازار سياسي يشمل تغيير صيغة النظام والتركيبة، بطرحه في الأشهر الأخيرة المتبقية من ولايته فكرة اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، بدعم من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي ذهب إلى الترويج لتغيير النظام كله واعتماد فكرة صهره.
افتتح لبنان سنة جديدة حافلة بأثقال الانهيار المستمر منذ سنوات، أراد رئيس الجمهورية ميشال عون استباق بدايتها بطرح سياسي ينطلق من فكرة "اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة"، في موقف لا يزال يتفاعل، خصوصا أن جهات عديدة أبدت اعتراضها عليه بوصفه دعوة تتخطى الفدرالية، وتمهّد لتقسيم المناطق بعضها عن بعض، وهذا بالمفهوم الاجتماعي يكرس الشقاق بين اللبنانيين.
ليس تفصيلاً بالنسبة للرئيس عون أن يطرح ذلك في الأشهر الأخيرة المتبقية من ولايته، إذ يرفع شعاراً واضحاً بأنه يفتح باباً أمام البازار السياسي بشكل موسع حول السلطة وإعادة تكوينها أو الذهاب إلى تغيير صيغة النظام والتركيبة.
هذا الموقف، أكد عليه صهره رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، الذي طرح معادلة تغيير النظام السياسي ككل، واعتماد اللامركزية الموسعة مالياً وإدارياً، وهي رسالة واضحة وجهها لخصومه وحلفائه على رأسهم "حزب الله" بأن المعادلة السياسية يجب أن تحتكم للعلاقة المشتركة ومصالح الطرفين، وفي حال لم يتوفر ذلك، فإنه سيتجه بقوة إلى تغيير النظام. وطرح باسيل على "حزب الله" العودة إلى تفاهم مار مخايل، كي تصاب العلاقة بالمزيد من الشروخ.
استدراج عروض
خصوم عون يعتبرون أنه يتقدم بهذا الطرح لتعزيز شروطه السياسية واستدراج العروض، التي بحال لم تكن تتلاقى مع مصالحه فهو يلجأ إلى مثل هذه الاقتراحات الجديدة التي تمس جوهر النظام؛ ولو كانت تؤدي إلى التقسيم أو الفدرلة.
ويعتبر هؤلاء أيضاً أن طرح عون يتجاوز الدستور، خصوصاً أن الميثاق الوطني واتفاق الطائف لا ينصان على اعتماد اللامركزية المالية الموسعة، إنما يتحدث الدستور بشكل واضح عن اللامركزية الإدارية الموسعة.
إلا أن عون أصرّ على مهاجمة منتقديه، معتبراً أن اللامركزية المالية الموسعة تندرج تحت خانة الإنماء المتوازن في مختلف المناطق.
والمؤكد أن مثل هذا السجال سيتفاعل ويتعاظم في السنة الجديدة من الآن حتى موعد انتهاء ولايته، والبحث عن تسوية تؤدي إلى إعادة تكوين السلطة، أما بحال لم يتحقق ذلك، فالمؤكد أن لبنان سيكون بحاجة إلى مؤتمر للحوار الوطني برعاية إقليمية ودولية تبحث في إدخال تعديلات على بنية النظام السياسي.
طروحات عون تتعارض مع توجهات قوى الداخل ومواقف القوى الإقليمية والدولية، وترفضه الدول العربية المهتمة بضرورة الحفاظ على وحدة لبنان، والتمسك باتفاق الطائف.
الفدرلة والتقسيم
الأمر نفسه بالنسبة إلى البيان المشترك الذي صدر عقب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية وتم فيه التشديد على ضرورة التمسك باتفاق الطائف كحافظ لوحدة لبنان واللبنانيين، في إشارة واضحة على أن تغييره؛ سيؤدي لتغير في موازين لبنان؛ ويؤسس للتفرقة داخل المجتمع.
وبحسب "الجريدة" الكويتية حتى البطريركية المارونية، والفاتيكان، يعارضان مبدأ ذهاب لبنان إلى ما يشبه الفدرلة أو التقسيم، كما أن هناك معارضة واضحة لمبدأ اللامركزية المالية الموسعة، لأن معانيها بعيدة المدى.
وتشير مصادر كنسية لـ"الجريدة" إلى أن مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي واضحة جداً، وهو يؤكد باستمرار الحفاظ على لبنان بكيانه الثابت القائم على العيش المشترك، ويؤكد أيضاً الالتزام بالدستور واتفاق الطائف، ومواقف البطريرك، منذ دعا إلى مؤتمر دولي خاص بلبنان واعتماد مبدأ الحياد الإيجابي والالتزام بالدستور، كلها كانت منسقة مع الفاتيكان.
حسابات آنية
وتلفت المصادر الكنسية إلى أن اهتمام الفاتيكان يتركز على ضرورة الحفاظ على النموذج اللبناني بفرادته، والذي يجب ألا يكون مهدداً أو خاضعاً بسبب حسابات آنية ولحظوية لجهات معينة.
وتأكيداً على هذا الاهتمام تكشف المصادر عن زيارة يتم التحضير لها لوزير خارجية الفاتيكان بياترو غالاغير إلى لبنان قريباً، وهي تحمل رسالة واضحة من البابا فرنسيس في الوقوف إلى جانب لبنان والاستعداد لمساندته للحفاظ على هذا النموذج في الشرق، وهذه الزيارة قد تكون تمهيدية لزيارته بيروت في الأشهر المقبلة.
المركزية
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.