26 كانون الثاني 2022 | 09:42

أخبار لبنان

الطائفة السنية ركيزة الشراكة الوطنية وضمانة كيانية للبنان وإنتمائه العربي

الطائفة السنية ركيزة الشراكة الوطنية وضمانة كيانية للبنان وإنتمائه العربي

زياد سامي عيتاني 




الطائفة السنّية في لبنان ببعدها والتزامها اللبناني-الوطني، والميثاقي- التعايشي،وانتمائها العربي المنفتح، كانت منذ تأسيس دولة لبنان الكبير سنة ١٩٢٠، نقطة الإرتكازوحجر الزاوية في قيام الجمهورية اللبنانية، التي قُدِّر لها أن تكون جمهورية مرتكزة علىالتلاقي التوافقي بين فئات مجتمعية- طوائفية في منظومة كيانية ميثاقية، شكّلتالإطار العام للمجتمع اللبناني الذي تحوّل إلى شعب شكّل إحدى الركائز التي نص عليها القانون الدستوري لقيام الدولة المكتسبة لشرعية وجودها، وبالتالي الإعتراف بها...

فهذا «الإجتماع» اللبناني «النسيجي»، كان منقسماً طوائفياً ومناطقياً فيما بينه، حولالمفهوم الخاص لمعنى الوطنية، حيث كان لكل مكوّن تفسيره الخاص له، وفقاً لإجتهاداتهالفكرية والدستورية التي تعبّر عن تمايزه الثقافي والحضاري والإنتمائي والوجودي(!)،و/أو طمعه وجشعه في نيله إمتيازات فائضة في إدارة مقاليد حكم الدولة والإمساكبمؤسساتها السيادية.. كلّ ذلك بدافع غريزي كان (ومازال، مع إزدياد تراكمه) الدافعالرئيس في سلوكياته ومواقفه تحت مسمى «ثوابته ومبادئه» لتعزيز حجمه ودورهومكتسباته!!!

من دون الدخول في المسار التاريخي التراكمي بكل تعقيداته وتناقضاته ودمويته فيبعض المحطات المفصلية (!) فإن الإنقسام العامودي الجذري كان حاداً وجدياً بين جناحيلبنان عند تأسيس جمهوريته، فجناح مع كيانيته المستقلة المتشددة لدرجة الإنفصال»العنصري- التمايزي» عن إنتمائه العربي، وبالمقابل جناح آخر رافض لتلك الكيانيةالمزعومة (صنيعة الإستعمار) وبالتالي تمسكه بالإندماج والتكامل مع عمقه ومحيطه العربي...

****

إزاء هذا التخبط والإضطراب البنيويي، الذي كاد يحول دون إمكانية قيام دولة مركزية عميقة وصلبة قادرة على إستيعاب وتأطير التناقضات اللبنانية حول مفهوم موحد للإنتماء الوطني التعدّدي الجامع، لعبت القيادات السنّية التاريخية الدينية والسياسية والزعامتية والنخبوية دوراً متقدّماً متوازناً لإرساء أسس ومرتكزات قواعد جامعة تراعيخصائص وهواجس جميع الفئات، ولو بحدها الأدنى، أسست للصيغة اللبنانية، التيمكّنت من قيام وإنطلاقة الجمهورية، رغم كلّ ما اعتراها من شوائب وخلل على الصعد والمستويات كافة.

هذا لا يعني على الإطلاق إنفراد قادة الطائفة السنّية حصراً دون سواهم من القادةالتاريخيين للطوائف الأخرى من تأدية نفس الدور التأسيسي، بل إن الطائفة السنّيةوإنطلاقاً من ترفّعها عن الأنانيّات الضيقة ذات الصلة بحجمها وبالإعتبارات العدديةالتي كان من الممكن أن تشكّل إمتداداً ديمغرافياً لدول الإقليم، مما يكسبها إمتيازاتالإستئثار بالسلطة، لكنها وبدافع حرصها على الشراكة الوطنية تخلت وبشكل نهائيعن أي إمتيازات على حساب باقي مكونات الوطن، كان بمقدورها إكتسابها أو إنتزاعها.. الأمر الذي أوجد مساحة واسعة على إمتداد خارطة الوطن من الإرتياح والطمأنة لدىمختلف الشرائح المجتمعية، ما دفع القادة الروحيين والزمنيين الوطنيين لباقي الطوائفللتفاعل بإيجابية مطلقة مع هذا الدور التوافقي لدرجة التكامل والإندماج، فكان «الميثاق» والصيغة» المكملين للدستور، والذَيْن وفرا بما هو ممكن ومتاح «الوحدة الوطنية» و»العيش المشترك» بين اللبنانيين بما كان ممكناً، الأمر الذي صان وحصن الكيان، رغمالهواجس التي توزّعت ما بين الخوف والغبن والحرمان...

****

هذا الدور المتقدم لم يقتصر على المرحلة التأسيسية للبنان، بل كان دوراً متجدداً علىالدوام عند كلّ منعطف خطير، يكاد يهدّد وجود لبنان ودوره، حيث كان يساهم بفعالية فيإعادة إنتاج وتظهير نسخة متجدّدة لصيغته الميثاقية، بعد كلّ تصدّع من جراء الأزماتالعميقة التي كان يمرّ بها، لا سيما تلك الأخطر التي كانت تتخذ منحى الصراع العسكري.

يخطئ من يعتقد أن هذا الدور توقف عند إتفاق «الطائف» الذي أتبع بمرحلة الإنتقال منحالة الحرب إلى حالة السلم، معطوفة برحلة البناء والنهوض وإستعادة الثقة الشاقة،التي أعادت لبنان الرسالة الحضارية إلى الخارطة العالمية.

فبعد زلزال إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كمقدمة لإغتيال نهج الإعتدالوالوسطية والتلاقي، ليس على صعيد لبنان فحسب، بل على مستوى المنطقة، ودخوللبنان في أخطر أزمة سياسية منذ نشأته، نتج عنها إنقساماً وإصطفافاً طائفياً ومذهبياًوسياسياً حاداً، أدت في مختلف محطاتها وإنعطافتها المفصلية إلى خلل بنيوي فيالتوازنات الوطنية، تبعاً لعوامل داخلية نرجسية، مقرونة بإنعكاسات الحروب التيشهدتها الدول العربية المجاورة (صراعات، وتصفيات، وإبادة، وخطط «ترانسفير» تهجيرية فئوية ومذهبية وعرقية) على الداخل اللبناني وتوظيفها بكثير من الخبثالسياسي لشيطنة مناطق ذات أكثرية سنّية، كتبرير بعيد عن الواقع والحقيقة، بهدفتهميش وتقزيم ذلك الدور الوحدوي الجامع للطائفة السنّية، تمهيداً لتغيير وجه لبنانالحقيقي، وهويته العربية المتنوّرة المنفتحة على كلّ الحضارات!!!

أمام هذا المخطط «الجهنمي» الذي ما زالت مفاعيله سارية المفعول وبتزايد وتكاثر،بإنتظار توافق عواصم القرار على الخارطة «الجيو-سياسية» للمنطقة، وقفت القياداتالوطنية السنّية حائلة بصلابة وقناعة دون إستدراج سنّة لبنان إلى اللعنة الفتنوية، ممافوت الفرصة أمام المتربصين بوحدة لبنان وتوازنه، وبالتالي عدم إنتقال حريق البلادالمجاورة إلى لبنان، من خلال خيارات ومواقف حكيمة ومسؤولة (لسنا في صدد تقييمها)،منها: «النأي بالنفس»، «ربط نزاع»، «تحصين الساحة الداخلية»، وصولاً إلى التسوية الرئاسية.. متحملة تبعات وأوزار تداعيات كلّ هذه الخيارات، بما فيها من تنازل للمصلحةالوطنية العليا، حرصاً على الإستقرار الداخلي، والتي وللأسف لم تقابل بأيّ ملاقاةللأطراف الأخرى عند منتصف الطريق، لا بل على العكس من ذلك إزدادت محاولاتالإستهداف والإقصاء والتهميش، فضلاً عن نبش القبور لتزوير التاريخ والحقائق منخلال حملة الأكاذيب والأضاليل المبرمجة والممنهجة!!!

****

صحيح أن الطائفة السنّية في الوقت الراهن تعيش حالة من الضبابية، لا بل السوداويةوالضياع إزاء واقعها السياسي المتراجع محلياً وعلى صعيد المنطقة، من جراء التحولاتوالمتغيرات الجذرية في كلٍّ من العراق وسوريا تحديداً، وإنعكاس تردداتها على الداخلاللبناني، (دون إسقاط المسؤوليات الجسام التي يتحملها زعماؤها ومرجعياتها فيما آلتإليه أوضاعها)، والشعور العام المخيم على بيئتها بالمظلومية والإحباط، وحتى الإلغاء السياسي!!!

الخطير في الموضوع، إصرار وإمعان بعض القوى المحلية المنتشية بهذا التراجع(خصوماً وحلفاء) الإفادة منه وإستثماره لمصالحها، تكبيراً لأحجامها (وإن تورّماً)، إماإنتقاماً أو إستئثاراً، وحتى وراثة (!) متناسين أن ذلك سوف يتسبب بتداعيات عميقة فيموازين القوى المحلية، وسيكون لها إنعكاسات خطرة على مستقبل لبنان الكيانوالصيغة، تهدّد نظامه التعددي، وتغيّر وجهه الحضاري، وتسلخه عن محيطه العربي!!!

لكن، في المقابل ثمة قوى سياسية ومرجعيات روحية مختلفة تتمتع بالحكمة وبُعد النظر والنضج السياسي والحس الوطني، تتلمّس الخطر الداهم على لبنان ومستقبله من جراءمحاولات تحجيم دور السنّة في المعادلة السياسية، حيث تسعى جاهدة لإعادة التوازنالداخلي ومعالجة مكامن الخلل التمثيلي والبنيوي، لإدراكها للمخاطر والتبعات الكارثيةالتي يمكن أن تنتج عن هكذا رهانات كارثية على لبنان ونظامه وديمومته، سيما وأنهاعلى قناعة تامّة بأن الطائفة السنّية ركيزة الشراكة الوطنية، وضمانة كيانية لبنان وإنتمائه العربي.

إزاء المنعطف التاريخي الذي يعيشه لبنان، موصولاً بإنتظار الخارطة الجديدة للمنطقة التي لم تنضج ظروف ترسيمها لا دولياً ولا إقليمياً، يبقى السؤال المقلق الذي يطرح نفسه: هل إنتفت وظيفة لبنان ودوره التاريخي؟ وبالتالي يتمّ تحضير وتهيئة لبنانجديد، لم تتوضح معالمه بعد!؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

26 كانون الثاني 2022 09:42