جورج بكاسيني

26 كانون الثاني 2022 | 18:18

كتب جورج بكاسيني

الحريري ونادي الغدّارين!



كتب جورج بكاسيني





لم يَكَد الرئيس سعد الحريري ينهي تلاوة خطاب العزوف ، حتى انقضّ مجموعة من "الورثة الافتراضيين" على فريسة افتراضية هي جمهور "المستقبل".

خُيّل لهم أن الحريري تخلّى عن جمهوره ومحبّيه وخَتَم حياته السياسية بالشمع الأحمر، متناسين أن قراره واضح كعين الشمس، وهو التخلّي عن هؤلاء الورثة الوهميين وأمثالهم والالتصاق أكثر وأكثر بجمهوره.

هو تخلّى بالتأكيد عن هذا النوع من السياسيين وسياساتهم التي اقتصرت ، على الدوام ،على حفنة من الشعارات الشعبوية التي تدّعي السيادة والإصلاح، متجاهلة ماضي أصحابها الذين انخرطوا في التبعية للمحتّل وجباية الخوّات حتى النخاع .

لم ينتظروا إعلان الحريري قراره، بعضهم سارع الى نعي تيار "المستقبل"، كما فعل حزب "القوات اللبنانية" قبل شهور، قبل أن يعود ويضمن" الأكثرية السنّية" الى جانبه في الإنتخابات العتيدة. وبعضهم الثاني قرأ في الموقف محاولة لإطاحة الانتخابات ، كما فعل التيار " الوطني الحرّ"، أو ادّعى "الحزن" على خروج " مكوّن مهمّ" من المعادلة ، ظنّاً منه أيضاً أنه بهذا التعاطف يمكنه أن يحصد جزءاً من أصوات الجمهور . وبعض ثالث عاب على الحريري دموعه وهو يتذكّر في خطابه عبارة مؤثّرة لوالده ، كما فعل أشرف ريفي . وبعض رابع سارع الى درس السيناريوهات الكفيلة بملء مقاعد " المستقبل"بأخرى من الضفة المقابلة ، كما فعل أهل الممانعة .

بعيداً عن بهاء الحريري ، شقيق سعد الحريري ، الذي يتجنّب كثيرون ، وكاتب هذه السطور منهم، مقاربة موقفه تجنّباً لحساسيات بين أخ وأخيه ، شهدت الساحة السياسة زحمة من الطامعين بالإرث كانوا قد أطلقوا العنان لأوهام واتهامات سرعان ما تبخّرت مع خطاب العزوف .

كلّهم نكروا سعد الحريري قبل صياح الديك ، ولما علّق حضوره على الخشبة تناوبوا ، كلّ من موقعه، على السعي الى وراثته ، كاشفين النقاب عن وجوههم وحساباتهم الخاطئة. خطاب العزوف دحض كل مزاعمهم.

جبران باسيل الذي لم يترك وسيلة لإبعاد الحريري عن السراي ، تذكّر أنه أحد أبرز العقبات أمام عودة الحرب الأهلية . ونواب " الوطني الحرّ" تبادلوا جولات الردح مع كادرات " القوات" على الشاشات لتسجيل النقاط من حساب الحريري و" المستقبل" . بعضهم يتّهم الآخر بـ" دعشنة السنّة" والحريري ، والثاني يتهم الأول بالغدر والتحريض عليه في المملكة . وكلاهما على حق وقد استفاضا من موقعين متناقضين في عرض أسلحة الطعن بالحريري وتياره .

اتّهم جعجع الحريري بحبّ المناصب (موقع رئاسة الحكومة) وهو يُسابق آخرين على مقعد نيابي في آخر دسكرة من الجمهورية من أجل الوصول الى كرسي بعبدا. كما اتّهمه بالضعف وهو لم يجرؤ على الإستقالة من مجلس النواب، كما فعل آخرون، فكم بالحري على العزوف. واتّهمه أيضاً بالتّخلي عن موقفه السيادي، ولم يجد جمهوراً سيادياً سوى جمهور الحريري، وكأنما العصب السيادي لهذا الجمهور هَبَط عليه من كوكب آخر أو زعيم آخر. أما عن تحميله الحريري مسؤولية التسوية مع ميشال عون فحدّث ولا حرج ، وقد شنّفت سمفونية "أوعا خيّك" وزجليات ستريدا من أمام قصر بعبدا عن حدث انتخاب عون "التاريخي" آذان اللبنانيين حتى اليوم.

أما اشرف ريفي، شيخ المتسلقين على اكتاف الحريري واول المسرعين الى الطعن بها ، فيعيب على زعيم "المستقبل" دمعته وغصته وهو يستذكر عبارة مؤثّرة لوالده، ويصنف نفسه قائداً لا يبكي ، ولم تكن تلك القيادة لتؤول اليه لولا سعد الحريري . هل ينسى اشرف كيف وصل الى قيادة قوى الامن الداخلي ، وكيف هرع الى الرياض بعد اغتيال الشهيد وسام الحسن ليعرض خدماته بتولي مهمة التواصل مع "حزب الله"؟ . هل ينسى اشرف من خاض معركة توزيره واعطائه لقب وزير ، ومن ملأ جيوبه بكل الامكانات المادية ليصنع من نفسه حالة طرابلسية . ولكن العيب من اهل العيب ليس عيباً يا اشرف . أكمل طريق الاحقاد فهي لا تصنع رجالاً . يليق بك وصف عاطل عن العمل السياسي يحاول اقتحام السياسة …. هناك وظيفة شاغرة في معراب ، أقدِم قبل ان يقطفها متسلق آخر .

لم يبقَ أمام بعض أمثال ريفي ، بعد خيباته المتتالية داخل طائفته سوى وهم البحث عمّا يرثه في طائفة أخرى ، أي كما درجت الحال على حساب الآخرين.

بعضهم ظنّ ، واثقاً من نفسه، أن علاقة جمهور السنّة به رومنسية بالفطرة، وأن علاقة عاطفية تربطه به منذ ولادة لبنان الكبير. وتناسى أن من أقنع هذا الجمهور به وبسياساته منذ إخراجه من السجن هو سعد الحريري نفسه . وتناسى أكثر وأكثر الجهد الدؤوب الذي قام به الحريري في انتخابات 2005 مع هذا الجمهور ومشايخه وعلمائه لانتخاب مرشحيه في المناطق انسجاماً مع شعار "لبنان أولاً".

أما أخطر ما تناساه هؤلاء ، وقد تحكّمت بهم عقدة " الإرث" ، فهو أن "حصر الإرث "السياسي أُنجز منذ العام 2005 ، و أن أحداً لا يمكنه تعديل فاصلة في نصّ "الوصيّة" التي سطّرها جمهور سعد الحريري بأحرف من عرق و دم ووجع في الساحات وصناديق الإقتراع من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب .

من لا يقوى على نيل الأكثرية في طائفته، لن يقوى بطبيعة الحال على ملامسة أكثرية الآخرين. أما إذا ضاقت به السبل وقد انكشفت رهاناته الخاطئة على الحصول على الأكثرية المسيحية، وبالتالي على الآكثرية النيابية ، فهذه مشكلته ولا يُمكنه إيجاد حل ّلها على حساب الآخرين.

سعد الحريري تعلّم الكثير من أخطائه ، وامتلك جرأة الاعتراف والمراجعة، ولذلك تمسّك به جمهوره أكثر وأكثر، لأنه كان صادقاً معه على الدوام ولم يخدعه بشعارات من هنا ورهانات خاطئة من هناك. ولمّا وجد أن الإنتخابات ليست الحلّ، كما يزعم كثيرون، وأن الأكثريات لم تغيّر فاصلة في مجرى الأحداث، قررّترك المقاعد والمناصب للآخرين والانتقال الى مقاعد الجمهور.

لو يتعلّم الآخرون من أخطائهم ولو لمرّة واحدة، ومن عِبَر التاريخ : من حَفَر حفرة لأخيه وقع فيها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

جورج بكاسيني

26 كانون الثاني 2022 18:18