كتب خالد صالح:
منذ ولادة لبنان الكبير في الـ ١٩٢٠ شكّل "السنّة" فيه المدماك الأساسي لقيامة هذه الدولة " الوليدة، وسرعان ما ابتكروا لأنفسم أسلوبًا فريدًا في "المزج" بين "بعدهم العربي" و "لبنانيتهم الحديثة"، فتحوّلوا إلى "النكهة" التي تجعل لهذا الوطن طعمًا ولون، وتفتقت رؤيتهم الثاقبة في الـ ١٩٤٣ عندما لاقوا جميع الأقطاب تحت عباءة "الميثاق" .
بعيدًا عن العبارات الرنانة وارتصاف المصطلحات التي يستخدمها البعض، وانتقاء ثمار الكلمات من خزائن المعاجم والقواميس، وبعيدًا عن الإطناب والإدغام وحتى التقعير، فإن "السنّة" هم زبدة الكلام، وخير الكلام ما قلّ ودل .
منذ أن أطلق الرئيس سعد الحريري موقفه الوطني غير المسبوق، تجهد فئات سياسية وإعلامية لا لبس في انتمائها أو هويتها، على تسويقه كـ " اعتزال نهائي" للحياة السياسية برمتها، وصار " الواجب المقدّس" بالنسبة لهم توجيه "بوصلة" تياره وقواعده وجمهوره نحو "الخليفة" الجديد ومبايعته جهرًا والانسياق تحت رايته في سبيل المواجهة الحتمية مع النفوذ الإيراني وأدواته في لبنان، وحث هذه القواعد ومعهم "السنّة" عمومًا للزحف نحو صناديق الاقتراع، في محاولة خبيثة للفصل الفاضح بين القيادة والقاعدة.
لقد تناست هذه الفئات على اختلافها أن "إبرة" البوصلة تعطّلت وتوقفت باتجاه واحد منذ 17 عامًا وهي تشير إلى "بيت الوسط"، وبات هذا المكان الذي تعبق فيه رائحة "الرفيق الشهيد" وترفرف عليه "راية الوطنية" وتنبت في تربته "بذور العزة والكرامة" هو "القِبلة" التي إليها يتطلعون كلما شعروا أن وطنهم يمرّ في لحظات مفصلية تهدد ديمومته وكيانته، لأنهم يؤمنون أن القرار الذي سيخرج دخانه الأبيض من هذا البيت هو القرار الصائب لهم ولمستقبلهم .
لم يستغرق الأمر سوى ساعات بعد كلمة الرئيس الحريري حتى تعرّوا جميعًا وظهرت نواياهم المحصورة فقط في "الأعداد" التي ستشكل "حصّتهم" من أصوات هذه القاعدة الأكبر، من دون أي مقاربة لمضمون وحيثيات ومسببات الموقف الوطني، ومن دون أي قراءة لأبعاده داخليًا وعربيًا واقليميًا، ومن دون أدنى إحساس بالواقع المر الذي نعيشه في لبنان، فقط البحث عن وسيلة تجعلهم يغرفون من هذا "الصحن" المشرّع وفق منظورهم لزيادة عدد ممثليهم في المجلس النيابي لا أكثر ولا أقل .
قدر "السنّة" في لبنان التواجد في كل المناطق، وقدر "القاعدة المستقبلية" أن يكون السنّة هم الأكثر تمثيلًا فيها، لهذا ومع موقف الرئيس الحريري سال "لعاب" الجميع عليهم كأنهم "رؤوس أينعت" وحان موسم قطافها، على قاعدة "غاب النسر فسرحت الخفافيش"، متناسين أن الالتزام بنهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو مبدأ ثابت وراسخ وهو ما يُكرّس لدى هذه الواعد مقولة "وتصغر في عين العظيم العظائم" .
منذ اللحظة التي فرغ فيها الرئيس سعد الحريري من كلمته، لم تهدأ الأقلام الصفراء ولا الأبواق المأجورة، عن إطلاق النفير و "دبّ الصوت" نحو "السنّة" عمومًا و "القاعدة المستقبلية" خصوصًا، لحثّهم على تجاهل قرار الحريري والمشاركة في الانتخابات ونعتهم بـ "الخيانة" في حال المقاطعة والإحجام عن المشاركة، وتهديدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور إن خالفوا الأوامر العابرة للحدود، ودفع "السنّة" مرغمين إلى "طي" صفحة "الحريرية الوطنية" نهائيا والتقوقع تحت راية هذا وعباءة ذاك .
بالمختصر المفيد "السنة" في لبنان ليسوا "سلعة" للمتاجرة في سوق المزايدات، فهم الوعاء الصلب لـ "الحريرية الوطنية" بمفاهيمها ورؤيتها وأدائها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وليسوا "كرمًا على درب" يحق للقاصي والداني التطاول عليهم وعلى كراماتهم وعزتهم ودورهم، "السنّة" في لبنان أصحاب أفعال لا أقوال وهم في طليعة الريادة، وتجاهل البعض للمواقف التي اتخذوها على مر التاريخ هو "قصر نظر"، لأن مواقفهم الوطنية كانت تتقدم دومًا على الجميع .
وبالدليل القاطع غدًا سيكتشفون عقم قراءتهم .. وإن غدًا لناظره قريب ..
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.