بسم الله الرّحمن الرّحيم
تابعنا بقلق شديد خلال الأيام الماضية مع الأشقاء في المغرب محنة الطفل ريان.. الذي انغرست تجربته المريرة في وجدان الإنسانية جمعاء ... بعد أن تحوّل إلى رمز لإرادة العيش بسلام على مدى خمسة ايام عجاف وغير مسبوقة في تاريخ الطفولة .. وتشاركنا أيضاً مع العالم أجمع نظرة التقدير والإعجاب والإحترام إلى جهود المملكة المغربية ومؤسّساتها الإنقاذية لما بذلته من جهود مميزة وصادقة ومكثفة.. تعبيراً عن إرادتها الصّلبة والصّادقة لإنقاذ حياة الطفل ريان حتى ولو تطلّب ذلك إزاحة الجبال.. رحم الله الطفل الملاك.. وندعو الله أن يهب والديه الصّبر والسّلوان.. وكلّ تحية وتقدير وإحترام للمملكة المغربية.. ملكاً وحكومة وعائلات وخبراء ومتطوعين.. على جهودهم الإنقاذية التي تحوّلت إلى أمثولة عالمية في تحمّل المسؤوليات..
منذ بداية تشكيل حكومة دولة الرئيس نجيب ميقاتي.. وتكليف فضيلة الصديق الأستاذ عباس الحلبي.. وزيراً للتربية والتعليم.. وبناء على رغبة دولة الرئيس ميقاتي.. أصبحنا نلتقي دورياً مع دولته بشكل منتظم لمتابعة التّحديات التربوية.. التي تتعاظم يوماً بعد يوم.. نتيجة عدم التّعامل بالجدية المطلوبة مع مخاطر العملية التربوية الكبيرة والواضحة منذ بداية الأزمة الوبائية العالمية قبل عامين ونيف .. والتي استدعت في كلّ العالم تغييراً في الأولويات التعليمية.. مما أدّى إلى إستحداث سياسات تربوية إستثنائية لحماية العملية التربوية من الانهيار نتيجة الظّروف الوبائية.. التي حتّمت على كلّ العالم سلوكيات وقائية إلزامية..
أمّا في لبنان فلقد تقاطعت الظّروف التربوية ومخاطرها الوبائية مع الإنهيارات الكارثية الإقتصادية والنقدية.. والتي أتت على كلّ أسباب المداخيل والمدخرات.. وبذلك تكون العملية التربوية في لبنان تواجه العطالة الوبائية وتحولاتها النمطية بين التّعليم عن بعد والتّعليم الاندماجي.. مع تباين القدرات الإلكترونية والمنهجية بين مدرسة وأخرى.. ومنطقة وأخرى.. ناهيك عن ظروف الضرورات اللوجستية الألكترونية والكهربائية.. وتحديات النقل والإندماج.. وغيرها من المستجدات التقنية والمعرفية على صعيد المناهج والخبرات الغير متوفرة بشكل عادل يسمح باعتماد سياسات واحدة تطال كلّ مراحل وقطاعات التّعليم في لبنان ..
تأتي هذه الإنطلاقة الموضوعية التّشاورية بناء على رغبة دولة الرئيس نجيب ميقاتي خلال لقائنا الأخير مع دولته .. حيث بادر معالي وزير التربية الأستاذ عباس الحلبي ومعه الفريق الإداري في الوزارة.. وفي مقدمتهم المدير العام لوزارة التربية ومديرو الإدارات المختصة .. ومعهم الفريق الإستشاري في رئاسة الحكومة.. بالإعداد لهذه العملية التشاورية بين كافة المكونات التربوية الوطنية.. والشركاء الدوليين الذين يحاولون خلال السنوات الماضية المساهمة في إخراج الطفل اللبناني من بئر الأزمات العميقة التي باتت تهدد إستقراره.. حيث تنتظر الأجيال اللبنانية منذ ما يقارب الثلاث سنوات أن تزاح عن صدرها جبال العطالة والإستهتار وما نتج عنها من مخاطر وانهيارات.. وتلك الأجيال تتطلع إلى خشبة الخلاص الدولية على أمل أن تتلاقى مع الإرادات الطيبة التي لا تزال تؤمن بحق أجيال لبنان بالخروج سالمين من بئر الإهمال والاستهتار بمستقبل الأجيال .. من دون ننسى أهوال إنفجار ٤ آب ودماره الإجتماعي والإقتصادي والعمراني والتربوي.. بالتزامن مع المخاطر الوبائية والاقتصادية .. مما حفّز على هجرة أفضل الطّاقات البشرية والخبرات المميزة.. وكان أول ضحايا تلك الهجرات قطاعا الصحة والتعليم.. حيث غادر لبنان إلى بلاد الإنتشار والجوار أفضل الكفاءات بحثاً عن القليل من الأمن المعيشي والإجتماعي الذي أصبح صعب المنال في لبنان..
إنّنا نتطلّع إلى أن يتحوّل هذا اللقاء التّشاوري إلى إطار فاعل وجدي للتّعاون المكثّف بين كافة المكونات التربوية الوطنية ومع الاصدقاء من الدول المانحة والمنظمات الدولية.. والتي أصبح لها الكثير من التّقدير والثّقة لدى عموم اللبنانيين.. وهؤلاء الأصدقاء أصبحوا بمثابة فرق الانقاذ التي تقاطرت حول بئر أجيال لبنان لرفع جبال الإهمال والسياسات العشوائية والإنتقائية..
إنّنا نمرّ في ظروف تربوية بالغة الصعوبة والخطورة.. رغم كلّ الجهود التي بذلت بشكل متقطّع من خلال محاكاة العناوين التي تراكمت واستجدت خلال السنوات الماضية.. والتي حاولتُ والزملاء في لجنة التربية مواكبتها بما استطعنا من محاولات.. إلاّ أنّ الظّروف التي تعيشها العملية التربوية اليوم هي أشبه بالأيام الخمسة التي واجهها ملاك الطفولة المغربية والعربية والعالمية ريان.. حيث يريد كلّ الأهل في لبنان تأمين التّعليم الجيد لأولادهم.. ويريدون أيضاً تأمين الدواء والغذاء وشيء من الأمان.. مما يجعلهم في حيرة بين تأمين مستلزمات التّعليم وتأمين مستلزمات الحياة.. وهناك أيضاً تلك الشريحة التي تحفر في الجبال حول البئر من أجل إنقاذ التّعليم في لبنان.. بكل الطاقات والأدوات من مدرّسات ومدرّسين.. والذين يقاومون مغريات مغادرة البلاد بكل حزم وإصرار من إجل إنقاذ التّعليم في لبنان.. لكنّهم في الوقت عينه يقفون عاجزين أمام متطلبات أولادهم الذين يريدون منهم تأمين مستلزمات الحياة التي لم تعد تؤمّنها مداخيل المعلّمات والمعلّمين في القطاع العام.. والقطاع الخاص.. والمتعاقدين.. وكافة مراحل التعليم في لبنان.. من دون أن ننسى الدّور الريادي للقيادات التربوية من مديرات ومديرين ونظّار..
إنّ محنة العملية التربوية في لبنان لا تختلف عن محنة الطفل الملاك ريان.. والتّعليم في لبنان يحتاج إلى إرادة بالإنقاذ قبل فوات الأوان وموت التّعليم إحدى أهم خصائص لبنان...
عشتم وعاش لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.