لم تعد ساحة اًزادي ( الحرية ) في طهران تجمع الملايين الهادرة، كما كان يحصل في بدايات الثورة قبل ٤٣ سنة وما بعدها لسنوات عديدة. ليست المشكلة في غياب الجماهير، وانما لسبب بسيط، انه جرى اعادة هندسة الساحة، بحيث لم تعد مفتوحة كليا للجماهير، لقد اصبحت خضراء ومقسمة بحيث تحول دون انتشار الجماهير … ليست هذه الظاهرة وحدها، التي تؤشر الى التحولات التي حصلت منذ الثورة حتى الان، بحيث اصبح يمكن القول "الثورة الخمينية" و"الجمهورية الخامنئية"، وبهذا تحقق حلم اية الله علي خامنئي، ان يكون حاضرا في تاريخ ايران الحديث، جنبا الى جنب مع الامام الخميني … واذا كان هذا ما اصبح واقعا، فماذا عن الثورة وماذا بقي منها لان "الرهبر " ( القائد ) خامنئي هو الذي شدد من البداية انه يكمل ما بدأه الخميني ؟
صحيح ان ايران في عهد الشاه كانت تخيف وكانت شرطي الخليج، لكن ايران اليوم أقوى وتخيف ومنتشرة ومؤثرة اكثر على مساحة الشرق الاوسط، وربما ابعد وأعمق . ولكن اين الثورة وشعاراتها وتوجهاتها، التي أشعلت المنطقة امالا من هذه الجمهورية القوية؟
لم يعد ما يجمع ايران اليوم بايران قبل أربعة عقود وأكثر، الا القليل وربما النادر … شعارات كثيرة تم محوها ببطء وثبات ." لا شرقية ولا غربية " غرق في محيط "الشرقية" .اليوم ايران غارقة حتى اذنيها في تحالفات مفتوحة مع روسيا ومع الصين ، عسكريا. استراتيجيا واقتصاديا . الحرب في سوريا استقدمت روسيا الى "المياه الدافئة "، الذي كان حلما روسيا وأصبح واقعا الى درجة ان "القيصر" "فلاديمير بوتين يقرر وينفذ دون علم ولا خبر، نقل جنود من بيلاروسيا الى سوريا دون اعتراض ولا احتجاج من ايران، التي استقدمته لدعمها جويا، فكان ان قبل تسلط الصواريخ الاسرائيلية عليها في سوريا دون اعتراض …
اما شعار "اسلامية " اي لا شيعية ولا سنية، فقد اصبح "شيعية شيعية "، وقام بذلك خندقا عميقا يفصل بين ايران الشيعية، والعرب السنة وبالإجمال السنة … ما زاد في عمق الاختلاف والمواجهة، تحويل الشيعة الى "بارودة" مقاتلة، لاهداف تصدير الثورة، وهو اصبح في الواقع لتصدير النفوذ الايراني ونشره، من افغانستان الى سوريا والعراق واليمن، اما لبنان فان خصوصية المواجهة مع اسرائيل فرضت اشتباكا من نوع خاص، سمح لحزب الله" الابن الشرعي "الوحيد لإيران بان يتمدد "سلطوياً، بحيث يحكم ولا يتحمل مسؤولية سلبيات حكمه ضمن المستقبل المنظور.
السؤال الذي سيبقى بلا اجابة الى حين، ماذا سيبقى من كل هذا الانتشار وهذا النفوذ، خصوصا اذا ما طالعنا تجربة الاتحاد السوفياتي و"البندقية الكوبية"؟
اما تحرير فلسطين الشعار الأعز على الثورة، فقد اصبح الطريق الي فلسطين يجول العالم ولا يصل الى القدس لان مهمات وهموم "فيلق القدس" اصبحت تتجاوز فلسطين وتحريرها، خصوصا تحت قيادة قاسم سليماني الذي اجتاح المنطقة، حتى ان كلمته لم تكن هي كل شيء … حتى ان خليفته الجنرال قاآني الذي لا يملك حضوره، مشغول بترتيب "البيت " الشيعي العراقي دون نجاح ثابت، لان احوال العراق تتغير والوطنية العراقية نحو ولادة جديدة … الاخطر ان اسرائيل تذهب بعيدا يوميا، في ضرب الوجود الايراني المتشعب في سوريا، ولا ردود اكثر من المحافظة على حق الرد دون ردود …
طبعا حاليا الهم الأكبر هو في التوصل الى اتفاق على وقع مفاوضات فيينا … ايران بحاجة لهذا الاتفاق لانها بحاجة كبيرة لأموالها المحتجزة، ولتصدير نفطها شريان حياتها . وهي تمارس "الرقص في فيينا " بهدوء، على اساس ان الرئيس جو بايدن بحاجة للاتفاق مثلها وان لأسباب مختلفة … كان يجب ان يتم الاحتفال بالثورة مع توقيع الاتفاق، ولم يحصل ذلك ومن الافضل الان للنظام ان يكون التوقيع، مع تقديم الميزانية الجديدة في احتفالات السنة الجديدة في ٢٠ آذار المقبل . والاهم ان يكون الاتفاق الجديد افضل من الماضي، وعلى الأقل لا يتضمن شروطا ولا مطالبا تجعل تغييب الثنائي روحاني _ظريف ماسوفا عليه و حدثا للمقارنة السلبية …
في الزمن الايراني _السوفياتي اي في عز الازمة الاقتصادية والمعيشية الشعبية، يتم اطلاق صاروخ "خيبر شيكان " اي "خيبر المدمر"، وهو يشكل قفزة نوعية في السلاح الصاروخي الايراني، لانه يعمل بالوقود الصلب، ومداه اكثر من ١٤٠٠ كلم اي انه يصيب اي موقع في اسرائيل او غيرها بسرعة وتحضير لا يتطلب وقتا وانكشافا …
مظاهر هذه القوة المتجددة توجت باغتيال خمسة من العلماء الايرانيين، على راسهم محسن فخري زادة إنما الاخطر ان الحديث عن انتشار الفساد، حتى داخل جهاز الأمن، اصبح عاما ومن أطراف صنعت هذا الجهاز وخصوصا الحرس الثوري مثل الجنرال محسن رضائي … وما يعزز كل ذلك التسريبات عن القبض عن قيادات في الحرس الثوري، تعمل لاجهزة ودوّل خارجية، وسواء كان ذلك حقيقيا او عملية التعمية على انشقاق او تمهيدا لضرب اي معارضة للخلافة ؛ فان وقوع شرخ في "الحرس "يعني ان خللا اصاب "عمود "الثورة … في عيد الثورة!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.