كتب محمود القيسي:
"حين ينشر المطر سحبه الكبيرة
مقلّداً قضبان سجن فسيح،
ويأتي قطيع أخرس من العناكب المقززة
يأتي لينصب شباكه في أعماق أدمغتنا،
فجأة تثب أجراس غاضبة
وتطلق نحو السماء عواءً منفراً،
مثل أرواح تائهة بلا وطن
تغرق في الشكوى بعناد شرس.
وعربات الموتى الطويلة، بلا طبول ولا موسيقى.
تسير ببطء داخل روحي، و "الأمل"،
المهزوم يبكي، و "القلق" المبرّح الظالم
ينحني فوق جمجمتي الراضخة ويزرع رايته السوداء".
*شارل بودلير
يتحدث الصحفي والمفكر اللبناني سمير قصير عن زمن “العسكريتاريا” في كتابه “عسكر على مين؟” الصادر عام ٢٠٠٤، إذ يرى الصحفي " أن منطق تدهور الديمقراطيات في البلدان العربية فرض على شعوبها أنظمة عسكرية لا تعترف ضمن سلوكياتها في الحكم بشيء يسمى حرية مدنية". ويستطرد قصير في كتابه قائلاً: "إن أول ظاهرة لعسكرة الحكم في المنطقة العربية، جاءت من دمشق “دائمًا دمشق”، حيث أعلن قائد الجيش السوري في أربعينيات القرن الماضي، حسني الزعيم، أنه سيخلع رئيس فترة الاستقلال السوري من الانتداب الفرنسي شكري القوتلي، وذلك انتقامًا للجيوش العربية التي انهزمت في فلسطين “بسبب الحكم المتخاذل”. وللمفارقة، فقد دشّن الزعيم عهد حكمه لسوريا الذي استمر من ٣٠ من آذار -مارس إلى ١٤ من آب-أغسطس لعام ١٩٤٩، بالتوقيع على اتفاق الهدنة مع إسرائيل". وفي الثاني من حزيران ٢٠٠٥، قُتل قصير بتفجير قنبلة زُرعت في سيارته، ضمن سلسلة اغتيالات طالت شخصيات لبنانية معارضة، منها رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، وذلك بالتزامن مع ارتفاع الأصوات المعارضة للوجود السوري في لبنان، ولتمديد ولاية الرئيس اللبناني الأسبق، إميل لحود، الموالي لسوريا والداعم لـ”حزب الله” كتب احد الجنود الفرنسيين في مذكراته أثناء الثورة الجزائرية: "عندما كنا نقوم بعمليات التمشيط و مداهمة القرى و الجبال للبحث عن المجاهدين. كانت - في كل مرة - تحز في نفسي و تشعرني بالخجل ردة فعل النساء. حيث كن يهرولن نحو إسطبلات الحيوانات عند رؤيتنا و يقمن بتلطيخ أجسادهن بالروث و فضلات الحيوانات كي نشمئز منهن عند محاولة اغتصابهن. فلا نقربهن بسبب الرائحة الكريهة التي تنبعث منهن". من مقولات آرنست همنغواي الخالدة عن جرائم ومآسي الحروب خلال تجربته كمسعف .. ومراسل لاحقاً: "لا تظن أبداً أن الحرب، مهما كانت ضرورية أو مبررة، ليست جريمة". ربيع براغ (١٩٦٨)، بداية إعلان الحرب "الباردة" بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جانب والمعسكر الاشتراكي بقيادة الإتحاد السوفياتي من الجانب الأخر. ربيع براغ ٦٨، هو الاسم الذي تطلقه وسائل الإعلام الغربية على أحداث براغ التي وقعت في ربيع عام ١٩٦٨ والتي أدت إلى التدخل السوفيتي لإعادة الأوضاع إلى حالتها "العسكريتارية" التقليدية السابقة.
في كانون الثاني - يناير ١٩٦٨ انتخب ألكسندر دوبتشيك سكرتيراً أولاً للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي. وقد استطاع دوبتشيك، الذي أرتبط اسمه بربيع براغ، أن يصل إلى السلطة نتيجة تحالف قوي المعارضة داخل الحزب: السلوفاكيين الذين أثاروا قضية الحقوق القومية من جهة، والمجموعة الداعية للإصلاح الاقتصادي من جهة أخرى. وقد خلف دوبتشيك، نتيجة لهذا التكتل، انطوان نوفتني في رئاسة الحزب، وكان نوفتني قد تعرض في أواخر أيامه إلى انتقاد شديد شاركت فيه القوى المؤيدة للاتحاد السوفياتي. وكان الطلاب في المنطقة التشيكية قد بدأوا في أواسط الستينات يطالبون بإنهاء سيطرة الحزب على أتحاد الشبيبة الرسمي. وفي عام ١٩٦٧، فاز "الليبراليون" في أتحاد الكتاب. وهاجمت الشرطة تظاهرة طلابية سارت احتجاجاً على رداءة الإمدادات الكهربائية. فأدى ذلك إلى حدوث اضطرابات فعمد الطلاب إلى احتلال المباني المجاورة احتجاجاً على هذه الحادثة. وبعد انتخاب دوبتشيك بدا واضحاً أن هناك تغييراً هاماً سيحدث في قيادة الحزب. لكن القيادة الجديدة لم تأتِ بسياسة واضحة في الفترة ما بين يناير-كانون الثاني-وابريل-نيسان ١٩٦٨. فبالنسبة لدوبتشيك، كان هذا التحرك الجماهيري الذي استغلته ببراعة بعض القوى اليمينية والأجنبية نعمة مربكة. فهو، من جهة، قد أكد موقفه القيادي في الحزب، ومن جهة ثانية دفع كل الدول الأعضاء في حلف وارسو إلى أتخاذ مواقف معادية له. ولم يكن بوسع مجموعة دوبتشيك تطمين الاتحاد السوفيتي بضرب هذه التحركات الشعبية، لأنها كانت الضمان الوحيد لتثبيت سيطرتها وقيادتها. لذلك، وفي نفس الوقت الذي كانوا يظهرون فيه ولاءهم لحلف وارسو والاتحاد السوفياتي، أتخذ الدوبتشيكييون إجراءات خطيرة مثل تطهير أجهزة ألأمن من أنصار نوفوتني والاتحاد السوفياتي. ولم يكن هذا الإجراء إلا ليزيد الريبة في عواصم أوروبا الشرقية الأخرى. وهكذا في ٢١ آب-أغسطس ١٩٦٨، دخلت دبابات حلف وارسو العاصمة براغ وقد شاركت في هذا الهجوم خمسة دول أعضاء في حلف وارسو بما فيها ألمانيا "الشرقية" في ذلك الوقت. في حين لم تصدر عن الجيش التشيكوسلوفاكي آية مقاومة للهجوم الذي جرى تحت شعار إعادة سلطة الحزب والشرعية.
وقد تعرضت حكومة دوبتشيك بعد دخول جيوش حلف وارسو إلى تطهير فوري وأعيد تنظيم الحزب، وألغيت قرارات المؤتمر الرابع عشر بموافقة القادة الدوبتشيكيين أنفسهم على قاعدة المثل الشعبي المأثور "يا روح ما بعدك روح". وفي تشرين الثاني-نوفمبر ١٩٦٨، إحتل الطلاب بدعم من عدة منظمات عمالية كثيراً من المباني في العاصمة التشيكوسلوفاكية براغ. وقامت عدة تظاهرات احتجاج عندما جرت محاولة لإقصاء صديق دوبتشيك، جوزيف سمركوفسكي من رئاسة الجمعية الفيدرالية. وفي ١٦ كانون الثاني-يناير ١٩٦٩ أنتحر الطالب بان بالأخ في ساحة عامة في مدينة براغ، تاركاً رسالة يطالب فيها بإنهاء الرقابة ويحرض على إعلان الإضراب العام والعصيان المدني. وفي نهاية آذار-مارس ١٩٦٩ حلت محل القيادة الدوبتشيكيية قيادة حزبية جديدة يترأسها غوستاف هوساك. وقد جرت إثر هذا الإجراء حملة "تطهير" واسعة، أسفرت عن طرد حوالي نصف مليون عضو من الحزب، وأعيدت الرقابة، وتم حل جميع المنظمات الجماهيرية المستقلة، التي تشكلت خلال ربيع براغ. أهم انعكاسات أحداث ربيع براغ، وقوف عدد من الأحزاب الشيوعية الأوروبية في ذلك الوقت موقف المعارض للتدخل السوفياتي وإدانتها لما حدث، وكذلك بروز عدد من الاعتراضات داخل الأحزاب الشيوعية الحاكمة في دول حلف وارسو بالإضافة إلى الاستغلال الواسع، في وسائل الاعلام الغربية، لهذه الأحداث التاريخية، وبروز ما سمي آنذاك بمبدأ "السيادة المحدودة"، أو مبدأ "بريجنيف". مبدأ بريجنيف الذي مختصره السيادة المحدودة لبلدان المعسكر الاشتراكي. أما ترجمته العملية، فكانت سحق "ربيع براغ" بالدبابات وبالتالي إعطاء موسكو حق التدخل في أي بلد عند تهديد النظام الاشتراكي والأمن القومي للاتحاد السوفياتي. وهو ما نجح مؤقتاً، حتى جاء انهيار جدار برلين ثم انهيار الاتحاد السوفياتي وأنظمة المعسكر الاشتراكي. نحن نعيش الان مرحلة "مبدأ بوتين" أو بالأحرى مبدأ السيادة المستجدة على جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابقة التي خرجت من تحت قبضة قيصر روسيا الاتحادية خصوصاً.. وبعض دول حلف وارسو التاريخي عموماً.. العالم الان، عالم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الافتراضي يرتجف في هذه الأيام التاريخية بامتياز تاريخي على إيقاع انفجارات صواريخ القياصرة الجدد على أوكرانيا ومحاصرة عاصمتها كييف… على إيقاع المارشات العسكريتارية وجنرالات الموت وطبولها.. على إيقاع إعلان "بداية" الحرب "الساخنة" برسم أولئك الذين تسألوا في إحدى الأيام بتهكم وسخرية: "عن أية حرب ساخنة تتحدثون؟" وهنا تحضرني بعض التساؤلات والأسئلة عن متى تستقيل حكومة اليمين العنصري المتطرف في كييف؟ ومتى يهرب الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي؟؟ أو متى يختفي تحت أنقاض وركام العاصمة المنكوبة؟؟؟ ومن سينتحر في ساحة كييف الرئيسية.. ساحة الحرية؟؟؟؟ ومن سيقيم نصب الجندي المجهول الجديد.. ونصب المواطن المجهول في هذه المجزرة العبثية؟؟؟؟؟ ومن المسؤول عن دماء الضحايا الأبرياء من هنا ومن هناك؟؟؟؟؟؟ ومتى تتوقف مصانع أسلحة الموت في هذا الشرق وذاك الغرب؟؟؟؟؟؟؟ متى تتوقف صناعة الحروب الكيماوية والبيولوجية والفيروسية والبكتيرية القديمة والجديدة والمتحورة؟؟؟؟؟؟؟؟ خوفنا الكهان وبطاركة السياسية وشيوخها من الحروب النووية.. وقتلوا، وحرقوا، وذبحوا، واغتصبوا، وسرقوا، ودمروا، وشردوا أكثر من ذلك أضعافاً مضاعفة… نقطة على السطر.
نشر الكاتب البرازيلي اليسارى الشهير "باولو كويلو" قصة قصيرة يقول فيها: "كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته؛ وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تحوي على خريطة العالم ومزقها إلى قطع صغيرة وقدمها لابنه وطلب منه إعادة تجميع الخريطة ثم عاد لقراءة صحيفته، ظانا أن الطفل سيبقى مشغولا بقية اليوم، إلا أنه لم تمر خمسة عشر دقيقة حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة! فتساءل الأب مذهولا: "هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟! رد الطفل قائلا: "لا، لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم"، كانت عبارة عفوية؛ ولكنها كانت جميلة وذات معنى عميق "عندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم"، فالأهم بناء الإنسان. طفل يعيد بناء العالم في حين ساسة، وقادة، ورؤساء، وملوك، وقياصرة، واباطرة هذا العالم… يقتلون الأنسان.. نقطة على اخر السطر .
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.