في 14 آذار من كل عام، تستعيد شريحة كبيرة من اللبنانيين لحظات تاريخية صنعتها بأيديها، لا تخلو من أحكام تجنح في معظم الأحيان نحو إعلان "وفاة" 14 آذار، أو تحميل قياداتها- أو بعضها- مسؤولية تراجع هذه الحركة الجماهيرية غير المسبوقة في تاريخ لبنان.
لكن بصرف النظر عن صحة هذه الأحكام أو عدمها، تجدر الإشارة إلى أن قوى 14 آذار لم تكلّف نفسها- مجتمعة أو منفردة – بمراجعة هذه التجربة ومناقشة أسباب نجاحاتها، إذا نجحت، أو إخفاقاتها، إذا أخفقت، أو الاثنتين معاً.
قد يكون سبب هذا الانكفاء استلهام تجارب لبنانية سابقة تجنّب اللبنانيون مراجعتها تفادياً لنكء جروحها، مثل الحرب الأهلية. لكن ما هو مطروح للنقاش هنا مجرّد تجربة سياسية سلمية لا حروب فيها ولا جروح. وقد يكون الانكفاء عن مراجعتها وراء "الجروح" التي أصابت جمهور 14 آذار العريض بسبب عدم فهمه، حتى اليوم، لمجموعة من التحولات والتسويات التي استجدّت في مسار هذه الحركة.
ولعدم الوقوع في فخّ "الأحكام" التي وقع فيها كثيرون، والتي انتهت في معظمها الى نعي 14 آذار، لا بدّ من طرح أسئلة موضوعية وشفّافة للنقاش علّها تكون وسيلة لمراجعة جدّية تقود الى خلاصات مفيدة للبنانيين عموماً، ولقيادات وجمهور 14 آذار خصوصاً.
هل صحيح أن عدم إسقاط رئيس الجمهورية إميل لحود في الشارع، إثر إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كان تخاذلاً من قيادات 14 آذار، أم استجابة لرفض مسيحي لهذه الخطوة جرى التعبير عنه وبوضوح في اجتماع لقاء "البريستول" الذي عقد في قريطم بعد ساعات من استشهاد الحريري في 14 شباط 2005؟
هل كان "الحلف الرباعي" في انتخابات 2005 خطيئة سياسية عظمى شكّلت أول ضربة قاسية لاندفاعة 14 آذار، كما يقول بعضهم، أم كان محاولة لطمأنة مكوّن لبناني كان الأكثر ارتباطاً بالوصاية السورية بعد انسحاب جيش هذه الوصاية؟
هل ان اعادة انتخاب نبيه برّي رئيساً لمجلس النواب في 2005 شكّل "تنازلاً" من بعض قوى 14 آذار التي صوّتت لصالحه، أم انها إقرار "بديهي" بأنه الأكثر تمثيلاً في طائفته؟
هل صحيح أن زيارة الرئيس سعد الحريري لسوريا العام 2009 تمّت بقصد التسوية مع نظام متّهم بقتل والده، أم استجابة لرغبة دول حليفة لـ 14 آذار كانت تراهن على فصل هذا النظام عن إيران؟
هل كان إعلان الرئيس الحريري "ربط النزاع" مع "حزب الله" العام 2014 "استسلام" للحزب، أم تحييد لبنان عن الحرب السورية وتسهيل تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام؟
هل كانت التسوية مع العماد ميشال عون وانتخابه رئيساً "رضوخاً" لمشيئة "حزب الله" أم صدّاً لسياسة التعطيل وسدّ الفراغ الرئاسي وتحييد تكوين السلطة عن الصراع السياسي؟
أخيراً وليس آخراً هل أن " المساكنة" في مجلسي النواب والوزراء بين أكبر فريقين من ١٤ آذار وأكبر فريقين من ٨ أذار ، كما حصل في دول كبرى مثل عهد الرئيس الراحل جاك شيراك هو " تنازل" من طرف واحد أو من طرفين، من أجل استقرار سياسي وأمني وإقتصادي؟
هذا غيض من فيض الأسئلة التي تسّتحق النقاش والمراجعة حول تجربة بأهمية 14 آذار، فهل من مجيب؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.