25 آذار 2022 | 09:25

أخبار لبنان

سعد الحريري ينتظر على ضفة النهر‎...‎

‎ ‎غسان حجار - "النهار‎"‎




يحلو لقوى 8 آذار ان تدّعي ان قرار الرئيس سعد الحريري بالعزوف ‏عن الترشح الى الانتخابات وخوضها مع مناصريه، مردّه الى إرادة عليا ‏سعودية، تبلّغها من طريق اماراتية، وانه استجاب للطلب بعد كل العصيّ ‏التي تلقّاها من جراء إقدامه على مواجهات سابقة باءت كلها بالفشل بسبب ‏عدم تكافؤ موازين القوى‎. ‎

لا يمكن لأي كان ان يتبنى حملة الترويج تلك، ولا يمكن لأحد ان ينكرها ‏بشكل حازم، لان الرئيس الحريري نفسه، لم يكشف سره، كما انه ليس ‏في الامكان الاطلاع على السرّ السعودي، إنْ وُجد، في هذا المجال‎. ‎

لكن الاكيد ان تجربة الحريري، كما كل القيادات والاحزاب، باءت ‏بالفشل، بدليل ما وصل اليه البلد، وكان من الضروري بالنسبة اليه ‏التراجع خطوة الى الوراء لقراءة المتغيرات والتطورات، كما النكسات ‏والاخفاقات، بهدوء تام، ومن مسافة بعيدة قريبة في الوقت عينه‎. ‎

أدرك الحريري ان العالم يشهد تحولات كبيرة، او انه عرف ان العالم ‏مقبل عليها، وبالتالي فان المرحلة ستشهد عملية شد حبال، يقع كثيرون ‏ضحيتها، أو وفق المثل اللبناني "بيروحو فرق عملة"، أو "بيروحو ‏فراطة" وفق قول آخر. ولا تفسَّر العبارتان إلا من باب الوقوع في ‏خسارة كبيرة قد تذهب حد القتل والاغتيال، كما حصل مع كثيرين، ‏ومنهم والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي سقط في لحظة اقليمية ‏حرجة، وشكلت النذر لمرحلة لاحقة من حروب الآخرين‎. ‎

وأدرك الحريري أيضا ان الاكثرية النيابية لا تفرق في شيء عن الاقلية. ‏فالاتفاقات الاساسية والاستحقاقات الكبيرة لا يقررها الداخل، بل تكون ‏ثمرة حسن علاقة أو توتر اقليميين وايضا دوليين، خصوصا انتخابات ‏رئاسة الجمهورية التي غالبا ما تتعطل ويتأخر الاستحقاق الى حين توافر ‏توافقات ولحظات اقليمية حرجة يمرَّر خلالها الاستحقاق أو يُتفق عليه‎. ‎

كذلك يدرك الحريري انه وفريقه السياسي حصلا على الاكثرية النيابية ‏في انتخابات 2005 وايضا في 2009، وان تلك الاكثرية لم تسعفه في ‏شيء. فبعد اكثرية الـ 2005، جاء افتعال حرب العام 2006، ثم غزوة ‏بيروت في العام 2008، وما بينهما اعتصام لقوى 8 آذار ومحاصرة ‏السرايا من كانون الاول 2006 الى اكثر من سنة. وبعد اكثرية 2009، ‏تم اسقاط حكومة الرئيس الحريري فيما كان يهمّ بولوج البيت الابيض ‏الذي دخله رئيساً لحكومة لبنان، وخرج الى تصريف اعمال حكومة ‏مستقيلة‎. ‎

وقد وعى الحريري ان ما يجري هو استنزاف للطاقات وتبذير للاموال ‏في وقت التشابك الاقليمي، وفي ظل غياب الرؤية السعودية الواضحة ‏للعلاقة مع لبنان اولاً، وفي النظرة الى مجمل ملفات العالم العربي، وقت ‏تمر المملكة ايضا بمرحلة انتقالية تحاول من خلالها اجراء تغييرات ‏جذرية في داخلها‎. ‎

والاهم من كل ذلك، استشعر الحريري خطر السلاح، وهو العنصر ‏الاقوى في أي معادلة أو منازلة، والغلبة لمن يملكه، والذي لم تنجح كل ‏المحاولات لتنظيمه ضمن استراتيجية دفاعية‎. ‎

امام هذه الوقائع، فضّل الانسحاب على التحول اقلية داخل المجلس، ‏وشاهد زور على ما يمكن ان يحصل، بل ان البعض يعتبر ان الخطوة ‏التي أقدم عليها هي الاذكى، اذ يترك الساحة لـ"حزب الله" في مرحلة ‏ترسيم الحدود مع اسرائيل، وبالتالي التطبيع غير المباشر معها، كما انه ‏يفسح في المجال لحكومة مختلفة تواجه المطبات المتكاثرة، وخصوصا ‏رفع الدعم، وتجويع الناس، والنجاح في التفاوض مع صندوق النقد ‏الدولي، أو الفشل الذي يفجّر البلد عن بِكرة أبيه‎. ‎

لقد ترك الساحة لمن يزايد عليه باستمرار، وها هو ينتظر على ضفة ‏النهر‎...‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

25 آذار 2022 09:25