7 نيسان 2022 | 11:22

عرب وعالم

من تهاون مع الروسي في سوريا... لا تفاجئه أوكرانيا!‏

من تهاون مع الروسي في سوريا... لا تفاجئه أوكرانيا!‏

خيرالله خيرالله




تكمن خطورة ما فعله فلاديمير بوتين في نقله الحرب الى قلب أوروبا. في الواقع، ‏نقل أوروبا من مكان إلى آخر في لمحة بصر بمجرّد اتخاذه قرارا بغزو أوكرانيا ‏في الرابع والعشرين من شباط – فبراير الماضي.‏

أعاد احياء مخاوف كان الأوروبيون يعتقدون انّها زالت إلى الأبد مع هزيمة النازيّة ‏وانتهاء الحرب العالميّة الثانيّة في العام 1945.‏

كان العالم يتغاضى في الماضي عن مجازر تحدث هنا او هناك او هنالك خارج ‏اوروبا، من نوع مجزرة مدينة حماة السوريّة في شباط – فبراير 1982. هذه ‏المجزرة التي ذهب ضحيتها ما يزيد على عشرين الف مواطن سوري على يد ‏النظام العلوي الذي أقامه حافظ الأسد. كانت تلك المجزرة بمثابة وضع لحجر ‏الأساس للنظام السوري الحالي الذي يشنّ منذ العام 2011 حربا واسعة على ‏شعبه. شملت الحرب، التي ما زالت دائرة منذ احد عشر عاما، تدمير أجزاء من ‏مدن سوريّة أخرى فيما يقف العالم، ولا يزال، متفرّجا. ليس صدفة ان يكون ‏فلاديمير بوتين طرفا أساسيا، إلى جانب ايران، في الحرب على الشعب السوري. ‏قبل غزوه لاوكرانيا، جرّب أسلحة الدمار التي يمتلكها في سوريا. اعترف بذلك ‏علنا عندما اكّد في سياق ابداء اعجابه بالترسانة العسكريّة الروسيّة أنّ سوريا كانت ‏افضل حقل تجارب لما تحويه هذه الترسانة.‏

عندما بدأت يوغوسلافيا بالتفتت ، مطلع تسعينات القرن الماضي، سارع الغرب ‏إلى احتواء الموقف. وقعت مجازر عدّة في يوغوسلافيا السابقة، لكنّ اميركا ‏وأوروبا استطاعتا في نهاية المطاف ممارسة ما يكفي من الضغوط السياسيّة ‏والعسكريّة كي يجري تقسيم يوغوسلافيا وكي يقف الصرب عند حدودهم بعدما ‏صارت عاصمتهم بلغراد نفسها مهدّدة.‏

تبدو الحرب الاوكرانيّة طويلة في عالم يكيل بمقياسين. مقياس لاوروبا وآخر ‏لخارج أوروبا. يؤكّد وجود مثل هذين المقياسين الردّ الأوروبي على غزو روسيا ‏لاوكرانيا، خصوصا بعد التأكّد من المجازر التي ارتكبتها قوات روسيّة قبل ‏انسحابها من مناطق قريبة من كييف. تلجأ دول اوروبيّة حاليا إلى طرد ‏ديبلوماسيين روس من أراضيها من منطلق ان العلاقات مع موسكو لم تعد تهمّها لا ‏من قريب او بعيد. دولة مثل اليونان راعت دائما روسيا اتخذت تدابير في حق ‏ديبلوماسيين روس!‏

ما نشهده الآن نقطة تحوّل على الصعيد الأوروبي، خصوصا بعدما اتخذت دول ‏عدّة قرارات تقضي بإعادة الاعتبار لجيشها ولترسانتها العسكريّة. لا يقتصر الامر ‏على دول اوروبيّة فقط. قررت الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا التعاون في ‏مجال انتاج صواريخ جديدة اسرع من الصواريخ الحالية. تدرك الدول الثلاث ‏انّها مقصرة في هذا الحقل. اكتشفت التقصير عندما استخدم الروس صاروخا من ‏هذا النوع السريع في أوكرانيا. كذلك، اكتشفت ان الصين متقدمة عليها في انتاج ‏مثل هذه الصواريخ التي لا تمتلك بريطانيا، أقلّه إلى الآن، ايّا منها!‏

بعد حرب أوكرانيا، تغيّرت أوروبا كلّيا. لا يتوقف المسؤولون الاوربيون عن ترديد ‏انّهم لن يسمحوا بانتصار روسي وهزيمة اوكرانيّة في وقت قرّر فلاديمير بوتين ‏اعتماد خطّة جديدة مختلفة في ضوء فشله في الاستيلاء على العاصمة الاوكرانيّة ‏كييف. بدأ سحب القوات الروسيّة التي كانت تطوّق كييف. كشف ذلك مدى وحشيّة ‏هذه القوات وتوقها الى ارتكاب مجازر على طريقة نظام بشّار الأسد. لم يكن ما ‏حدث في مدينة بوتشا التي تبعد نحو 40 كيلومترا عن كييف سوى مثال على ‏الممارسات الروسيّة التي لا تذكر سوى بممارسات المانيا النازيّة ثم ممارسات ‏ستالين في داخل الاتحاد السوفياتي نفسه.‏

إلى أيّ حد ستتغيّر أوروبا التي سيتوجب عليها إعادة النظر في كلّ استراتيجياتها، ‏بما في ذلك الانفاق العسكري؟ هل ينسحب ذلك على المناطق القريبة من أوروبا، ‏مثل الشرق الأوسط والخليج وشمال افريقيا؟

ليس في استطاعة أوروبا الاكتفاء بالاهتمام بنفسها ومستقبل حلف شمال ‏الاطلسي... والبقاء بعيدة عن الضفّة الأخرى من البحر المتوسّط حيث يسعى ‏فلاديمير بوتين، بالتحالف مع ايران، الى لعب دور القوّة العظمى وتحقيق الحلم ‏القيصري الروسي القديم بالتمدّد الى المياه الدافئة.‏

لولا سكوت العالم على التدخل الروسي المباشر في سوريا ابتداء من اواخر أيلول ‏‏- سبتمبر 2015، لما كان فلاديمير بوتين تجرّأ على خطوة غزو أوكرانيا حيث ‏مشاهد الرعب ماثلة امام العالم كلّه. لم يوجد، لا في أوروبا ولا في الولايات ‏المتحدة من يضع حدّا لما ارتكبه الروسي في سوريا. قبل ذلك، لم يوجد من يسأل ‏ماذا يفعل الإيراني وميليشياته في سوريا ولماذا استعان الراحل قاسم سليماني قائد ‏‏"فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني بالجانب الروسي في نهاية صيف ‏‏2015 عندما اكتشف ان سقوط النظام السوري الأقلّوي بات امرا واردا!‏

واضح انّ كلّ دولة اوروبيّة باتت تشعر نفسها مهدّدة. لولا ذلك لما انضمت ‏اليونان... او اسبانيا الى نظام العقوبات على روسيا. اكثر من يشعر نفسه مهدّدا هو ‏دول البلطيق (لاتفيا واستونيا وليتوانيا) التي كانت في طليعة الجمهوريات ‏السوفياتيّة التي تمرّدت على موسكو مع سقوط جدار برلين في تشرين الثاني – ‏نوفمبر 1989. توقّع الخبراء في سياسات الكرملين وقتذاك بانّ تأتي نهاية الاتحاد ‏السوفياتي من الجمهوريّات الاسلاميّة الآسيوية التي كان يضمّها. لكن الواقع اثبت ‏أن تكهنات هؤلاء الخبراء، بمن في ذلك الفرنسيّة ايلين كارير دونكوس التي كانت ‏اكثرهم شهرة، لم تكن في محلّها. ولدت الثغرة في جمهوريات البلطيق التي اخذت ‏مبادرة الانفكاك عن الأخ الأكبر في موسكو... هذه الجمهوريات جزء من أوروبا ‏وليست في قارة أخرى.‏

هل تهتمّ أوروبا بغير أوروبا، أي بما يدور في الشرق الأوسط والخليج تحديدا حيث ‏طموحات في غاية العدائيّة لايران؟ ذلك هو السؤال الذي سيطرح نفسه في عالم ‏يتبيّن كلّ يوم ان مشاكله وازماته مرتبطة ببعضها البعض بقوّة.‏

يُفترض بمن تهاون مع المجازر التي ارتكبها النظام الروسي، الذي على رأسه ‏فلاديمير بوتين، في سوريا... الّا يتفاجأ بما يحدث حاليا في أوكرانيا لا اكثر. وهذا ‏الكلام برسم الأوروبيين قبل غيرهم! ‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

7 نيسان 2022 11:22