كتب جورج بكاسيني
يكفي أي مواطن أن يتنقّل بين منطقتين أو أكثر لكي يكتشف المآل الذي ينتظر
الجمهورية في 15 أيار المقبل وما بعد بعد .. هذا التاريخ.
زحمة اللافتات التي تُزنّر الأوتوسترادات من الجانبين وتكاد تفوق عدد المباني، تشي بانهيار أكبر على الأبواب نتيجة البون الشاسع بين ما كُتِب عليها وبين ما يمكن تحقيقه، كما لو أن قدر اللبنانيين البقاء في النفق الذي أوصلهم الى ما هم فيه.
يكفي أن تتّجه جنوباً أو بقاعاً حتى تُصدم عيناك بشعار خشبي وممجوج ومكرّر عمره لا يقلّ عن ثلاثين عاماً: "نحمي ونبني".
وواقع الحال أن اللبنانيين دفعوا غالياً ثمن المساكنة بين شعاري "هونغ كونغ" و"هانوي". فكيف يستمر الجمع بين خطين متوازيين لا يلتقيان، رغم أن هذا الشعار هو السائد والمطبَّق خلافاً للطبيعة.
وإذا إتَّجَهت شمالاً وجبلاً تُعاين كمَّاً من الشعارات لا يمكن تحقيق أي منها، رغم أن بعضها هو الأكثر ملاءمة للواقع اللبناني.
فشعارات "نحنا فينا نسترد السيادة ... ونضوِّي الكهربا ... ونوقِّف التهريب ... والفساد ..." إلخ ، تلامس معضلات لبنان الأساسية، لكنها عصيَّة على التطبيق في ظل موازين القوى غير المرشَّحة للتبدُّل في 15 أيار العتيد، ما يجعلها أقرب إلى الشعبوية المتفشِّية في هذا الزمن على إمتداد الكوكب. فيما يُصدم المارة بشعار همّه "غريزة بقاء" التيَّار الذي يرفعه بعيداً عن أولوية "بقاء" الجمهورية: "كنا .. ورح نبقى".
ولأن لكل إنتخابات "نجومها" أو "نكهاتها" الخاصة التي يجري التداول بـ"قفشاتها" على كل شفة ولسان، نجح المرشَّح عن المقعد السني في طرابلس، عمر حرفوش، في أن يتقدَّم صفوف هؤلاء، وأن يمثِّل المرتبة الأولى في إختزال صورة هذا الإستحقاق على نحو كاريكاتوري يشبه صاحبه والكثيرين من أمثاله الزاحفين إلى السلطة من موقع "التغيير"، واثقاً من نفسه بأنه سيصبح رئيساً للحكومة "وإن لم أنجح في الإستحقاق النيابي".
أما إذا إتجهت إلى بيروت، العاصمة، فحدِّث ولا حرج، حيث تبلغ الشعبوية ذروتها مع شعار "بيروت تواجه"، الذي يتقاطع مع شعارات مماثلة في محافظتيّ جبل لبنان والشمال.
ليس في الشعار المذكور إنكار للواقع وموازين القوى، هو شبيه بإنكار العهد و"حزب الله" لأسباب الإنهيار الإقتصادي وحسب وإنَّما فيه الكثير من التضليل لذاكرة اللبنانيين، وفي مقدّمهم أهل بيروت، الذين لم ينسوا أن عرّاب لائحة "بيروت تواجه" كان الأكثر "توجُّساً" من مواجهة "حزب الله" عشية 7 أيار، وتحديداً في جلسة 5 أيار التي كانت برئاسته في السراي الحكومي. وأن رئيس اللائحة المذكورة كان متضامناً معه بخلاف رأي االرئيس سعد الحريري الذي أصرّ والنائب السابق وليد جنبلاط على المواجهة.
هذه حقائق تاريخية لا يمحوها "مرور الزمن"، توّجَها سعد الحريري برفض الخروج من العاصمة رغم القذائف التي انهالت فوق رأسه في قصر قريطم، ورغم العروض العربية التي تلقّاها لمغادرة العاصمة "آمناً" ، إصراراً منه على البقاء مع أهل بيروت. فعن أي "مواجهة" يتحدَّث بعضهم وقد ترك مقعداً شيعياً فارغاً في لائحته ليتنعَّم به "حزب الله" من دون أي منافسة؟ إلاّ إذا كان المقصود "مواجهة" الحريري، كما هو حال لوائح أخرى على إمتداد الجمهورية .. وهو خارج السباق الإنتخابي.
مشهدية الشعارات الإنتخابية لإستحقاق 15 أيار تنطق بأمرين : شعارات خشبية لا تُخرِج لبنان من المأزق الذي هو فيه رغم أنها الوحيدة القابلة للتطبيق بفعل ميزان القوى السائد، وأخرى غير قابلة للصرف لأنّها لا تحدّد بالضبط كيفية تطبيقها (كيف؟)، كما لم تحدّد كيفية العبور الى النور وسط التناقضات اللبنانية المعروفة وثقافة المحاصصة (بحجّة الشراكة) والطائفية (بحجّة الحقوق) المدمّرة لكل إنجاز أو علاج.
كان الأجدى بالمرشّحين وبالأحزاب المشاركة في استحقاق 15 أيار رفع شعارات يمكن تحقيقها، وتحديد مهل زمنية لذلك، تماماً كما جرى مع برنامج "سيدر" في 2018، الذي تواطأ معظم المشاركين في الإنتخابات اليوم على إجهاضه .. وصولاً الى الانهيار.
وللبحث تتمّة في 16 أيار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.