22 نيسان 2022 | 23:08

مجتمع

"البقلاوة".. من مآدب السلاطين الى حلوى صعبة المنال!

زياد سامي عيتاني*

"البقلاوة" التي تعد من أهم أطباق الحلويات في شهر رمضان المبارك، والعيدين، ومختلف المناسبات السعيدة، نظراً لإقبال الصائمين على تناول صنفاً منها إرتبط بالشهر الكريم، وهو ما يعرف ب "الحدف".

تختلف أشكالها وتتعدد طرق إعدادها والنكهات المضافة لها، فـ"البقلاوة" واحدة من أهم الحلويات الشرقية التي يعرفها ويعشقها العالم أجمع، فقضمة صغيرة منها كفيلة أن تسحرك وتنقلك إلى عالم آخر تذوب فيه بجمال طعمها

و"البقلاوة" هي رقائق عجين خاص رفيعة ومستطيلة تسمى فى مصر "جلاش"، وفي بعض الدول المتوسطية كاليونان وصقلية فيلو، وتحشى بالجوز أو الفستق الحلبي ويتم تحليتها بالقطر، وبحسب كتاب "تاريخ المطبخ المصري" لحنان جعفر، فإن كلمة بقلاوة مشتقة من اللغة التركية العثمانية، وتستخدم فى كثير من اللغات مع إختلاف طفيف باللفظ والكتابة.

**

•أصل "البقلاوة":

بعض المصادر تؤكد أن أصل البقلاوة يعود للقرن الثاني قبل الميلاد في بلاد الرافدين والآشوريين الذين صنعوها من رقائق العجين وحشوها بالفواكه المجففة والمكسرات، ثم أخذها عنهم الأتراك، وأضافوا لها إضافات من شعوب مختلفة فأخذوا القرفة من الأرمن، وماء الورد من العرب، والعسل من اليونانيين.

ويعود أقدم ذكر عن "البقلاوة" في تركيا إلى دفاتر مطبخ قصر توب قابي العائد لعهد السلطان محمد الفاتح وحسب هذه التسجيلات فأنه قد تم تحميص البقلاوة في القصر، بينما كتب أوليا تشلبي، في مذكراته أنه قد أكل البقلاوة عندما كان ضيفاً في قصر أمير بتلس، وذكرت البقلاوة في كتاب الطبيخ لمحمد بن حسن البغدادي وهي أقدم موسوعة عربية في الطبخ تعود للقرن الثاني عشر الميلادي.

ومن خلال هذه التسجيلات، يتبين أن البقلاوة كانت منتشرة في كافة أنحاء الإمبراطورية العثمانية، وكانت تؤكل غالباً في السراياً والقصور، وكان طباخو القصر يهتمون بأن تكون عجينة البقلاوة رقيقة جدًا، وهذا يوحي بأنه من الممكن أن العجينة المستعملة في صنع البقلاوة كانت سابقاً غليظة.

ولكن لم يتم التوثيق بدقة لزمن ظهور البقلاوة في تركيا، إلا أن أغلب الترجيحات تؤكد أنها ظهرت في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، في شهر رمضان الكريم حيث إنها كانت تصنع في مطابخ الإمبراطورية العثمانية بقصر توبكابي بإسطنبول، كما قدمها السلطان في صينية بشكلها المعتاد حالياً إلى الإنكشاريين في كل منتصف شهر رمضان بمراسم احتفالية تسمى "موكب البقلاوة".

هناك رأي آخر يقول إن أول من صنع البقلاوة هم اليونانيين وقدموها كقرابين لآلهتهم في المعابد، وظهر في القرن الثالث الميلادي كتاب مأدبة الحكماء باليونانية، والذي يشر إلى وصفة كعكة "النهم"، وهي الحلوى التي مهدت الطرق للبقلاوة كما نعرفها الأن.

وقد أحدث أصل البقلاوة نزاع بين العديد من الدول، فكل بلد تنسبها لنفسها؛ ولا زال هناك خلاف بين اليونانيون والأتراك على أصل البقلاوة، ويزعم الإغريق أن الأتراك حصلوا على البقلاوة من بيزنطة التي لازالت تصنع حلوى الـ"koptoplakous" والتي هي أقرب ما يكون إلى البقلاوة في شكلها وطعمها.

وفي كثير من أنحاء اليونان يتم منح اسماء محليه لأنواع مختلفة من البقلاوة، كالماسوركى من جزيرة خيوس، و زورنداكى من جزيرة كريت، وسموساديس من مقاطعه لاكونيا، وبوركيا من جزيرة رودس أو بكلافو في جزيرة لسبوس، وأغلب هذه الأنواع تصنع من عجين الفيلو.

**

•تسمية "البقلاوة":

قيل إن زوجة سلطان عثماني تدعى بقلاوة وكانت طابخة ماهرة تجيد أصول الطهي، وحينما طلب منها زوجها السلطان أن تصنع له صنفًا جديدًا من الحلوى لم يعد قبل ذلك، فذهبت وأتت بالجلاش ووضعت بين طبقاته الحشو بأنواعه وأضافت السمن وأدخلته في الفرن ثم وضعت عليه العسل وعندما قدمته له أقر بأنه لم يتذوق مثله، وإكراما لزوجته الماهرة أطلق على هذا النوع من الحلوى اسمها، وانتشرت بعد ذلك هذه الحلوى في العديد من البلدان العربية باسم "بقلاوة".

وهناك رواية أخرى تشير إلى أن البقلاوة تعود لطباخة اسمها " لاوة" وكانت طابخة السلطان العثماني عبد الحميد، وهي من ابتدعت هذه الحلوى فأعجبت السلطان وقال لضيوفه "باق لاوة نه بايدي" بمعنى انظر ماذا صنعت لاوة.

إلا أن هناك رواية أخرى تقول إن سبب تسمية البقلاوة بهذا الاسم هي تسمية لغوية مشتقة من كلمة "بقوليات"، بسبب دخول الفول السوداني في إعدادها، وهناك من يقول إنها مشتقة من كلمة "بايلاو" من اللغة المنغولية والتي تعني الربط واللف.

**

•إرتباط "البقلاوة" بشهر رمضان:

أما عن ارتباط البقلاوة بشهر رمضان، فبحسب كتاب "الدولة العثمانية 1700-1922 م"، لدونالد كواترت، فإن بداية ظهور البقلاوة كانت فى أواخر القرن السابع عشر الميلادى، فى الخامس عشر من شهر رمضان، فعند الإفطار خلال شهر رمضان اعتاد السلاطين أن يزوروا فى الخامس عشر من رمضان قصر توبكابى حيت تحفظ عباءة النبى، وهناك يوزعون حلاوة البقلاوة على الانكشارية، وظل هذا التقليد متبعاً فى شهر رمضان حتى عصر السلطان عبد الحميد، التى كان يدعو الجيش لتناول الإفطار فى قصر يلدز.

**

•البقلاوة "الزغلولية" (الحدف):

وأيا تكن أصول البقلاوة، فإنه يسجل لبيروت إبتكار صنفاً خاصاً من البقلاوة، إقترن بشهر رمضان المبارك وبإسم صانعها، ألا وهي "خدف" رمضان التي كانت تعرف بالبقلاوة "الزغلولية".

فمن أوائل الذين إتخذوا صناعة الحلوى مهنة وحرفة كما يؤكد المؤرخ عبد اللطيف فاخوري شخص يُدعى سعيد الزغلول، الذي إشتهر بصنع نوع من البقلاوة المحشوة بالجوز. وذاع صيتها وأقبل الناس عليها لاسيما في شهر رمضان المبارك ونُسبت إليه فعُرفت بـ"البقلاوة الزغلولية". وكانت عبارة عن قطع صغيرة على شكل Lozange.

وقد تعلم الكثير من "الحلونجية" في بيروت صناعة "الزغلولية" على يدي سعيد الزغلول وفي مقدمهم إبن عمه عبد القادر أبو عمر، الذي فتح محلاً في منطقة المرفأ في منتصف عشرينات القرن الماضي.

وخلال شهر رمضان المبارك كان يرسل منها عدداً من الصدور إلى جانب مدخل الجامع العمري الكبير في شارع "المعرض" عند صلاة العصر، فُيقبل عليها الصائمون لدى خروجهم من المسجد قبل موعد الإفطار بشكل كبير فيبيعها كلها. وهذا ما جعل "البقلاوة الزغلولية" حلوى موسمية مرتبطة بشهر رمضان المبارك.

ومع مرور الوقت، سُميت "البقلاوة الزغلولية" بعدما صارت تصنعها كل محال الحلويات العربية خلال رمضان بـ"حدف رمضان". وأطلق عليها هذه التسمية لأن طريقة تحضير عجينة هذه البقلاوة الرمضانية تقتضي من "الحلونجي" حدفها من اليد اليسرى إلى اليمنى وبالعكس وبطريقة حرفية خاصة، حتى تُصبح العجينة جاهزة للمد في الصواني.

**

بعدما كانت مآدب رمضان تزخر بمختلف أصناف الحلويات الشرقية التي تعد خصيصاً للشهر الكريم، وفي مقدمها "الحدف" و"الكلاج"،

إضافة إلى الحلويات التي تصنع بالقشطة، فإنها وللأسف الشديد باتت ذكريات من الماضي القريب لا البعيد، بعدما باتت أسعارها خيالية، ربما يقرب ثمن الكيلو الواحد منها الحد الأدنى للأجور، من جراء تدهور القدرة الشرائية عند اللبنانيين، التي يقابلها إرتفاع جنوني بالأسعار!!!

وكأن واقع حالنا، بأن حلوى "البقلاوة" التي كانت حكراً على ولائم السلاطين، أصبحت حصراً بمتناول سلاطين زماننا!!!

**

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

22 نيسان 2022 23:08