23 نيسان 2022 | 17:27

فن

فنان من لبنان: لمياء فغالي سيدة الإبداع و الأدوار المركبة

زياد سامي عيتاني*‏




لمياء فغالي؛ ممثلة لبنانية من الجيل الرائد في الدراما التلفزيونية، منذ ‏أسودها وأبيضها، وضعت بصمتها في الأداء التعبيري، والنطق السليم.‏

كانت عن جدارة سيدة الأدوار الصعبة؛ كان دائماً حضورها صاخباً قوياً، ‏يغضبك، يستفزك، يشدك، وكيفما كان يجذبك ويسحرك.‏

هي فعلاً سجل ذهبي عابق بإبداع ممثلة إستثنائية، ما تمكنت السنون من ‏محوه من ذاكرة المشاهد. وكيف يمكن أن يمحى؟ وهي التي آنست ‏سهراته ولياليه، بما أبدعت به أداءاً وتعبيراً حتى الإبهار، من حضور ‏تمثيلي، سواء في شرّها وكبرياؤها، أو في حنّيتها وطيبتها ودموعها.‏

لقد تركت لمياء فغالي أعمق البصمات في تاريخ الدراما اللبنانية، ‏وبرعت في كل ما قدمته من شخصيات وأدوار تمثيلية...‏

بمناسبة ذكرى رحيلها، وتقديراً لمسيرتها الفنية، نعرض لجوانب منها، ‏تحية لروحها:‏

‏**‏

لمياء فغالي هي ممثلة لبنانية من مواليد 6 آب عام 1924، هي شقيقة ‏المطربة الأسطورة صباح، وهي أكبر اخواتها، نشأت في عائلة فنية ‏وأدبية مليئة بالشعراء، حيث تلقت دروسها عند راهبات «القلبين ‏الأقدسين» في التباريس في الأشرفية، وكانت تشارك بالأعمال المسرحية ‏في أواخر السنة الدراسية، وكانت تلفت نظر الراهبات بأدائها المميز في ‏التمثيل وتنال التهنئة.‏

وكانت لميا تستحي كتيراً، وكانت أمها تقول لها: "إحكي بس يجوا لعنا ‏الناس، بكرا بيصيروا يقولوا عنك خرسا".‏

‏**‏

‏•بداية بالصدفة:‏

بدأت مشوارها الفني بالصدفة، عندما كانت في سن 14 عاماً حين جاء ‏صديق العائلة الفنان المسرحي عيسى النحاس، وطلب من لمياء أن تلعب ‏معه دوراً في مسرحية "جوالة" في إحدى الضيع اللبنانية، بدلاً من إحدى ‏الممثلات التي تركت الفرقة فجأة بعدما تزوجت "خطيفة".‏

أربكها الطلب المباغت والسريع وخافت خوفاً شديداً، عندما تفاجأت ‏بموافقة الأهل، وهي الفتاة الخجولة، فصار الجميع يشجعها، لا سيما وأنه ‏يفصل بين الطلب والعرض المسرحي بضعة ساعات فقط.‏

فذهبت مع النحاس، وحفظت دورها في السيارة على الطريق المؤدية من ‏المنزل إلى مكان العرض، إلى أن صعدت لأول مرة على تلك الخشبة ‏الجوالة التي كانت تتنقل بين الضيع اللبنانية، وقدمت أداءاً ملفة فاجأ ‏الجميع، إستحق التصفيق والإعجاب وصيحات «البرافو» التي بقيت ترن ‏في أذنيها طويلاً...‏

وكانت هذه التجربة بمثابة الخطوة الأولى نحو قدر كبير ينتظرها لاحقاً، ‏إذ أبقاها الفنان النخاس في مسرحه الجوال الذي يجوب القرى اللبنانية، ‏إلى أن برزت كنجمة على المسرح وإتجهت إليها الأنظار من خلال ما ‏كانت تقدمه من أدوار تمثيلية، فانطلقت وصارت مطلوبة وراحت ‏العروض المسرحية تنهال على الممثلة الصغيرة، لتشارك في عشرات ‏المسرحيات في فرقة بيروت وفي مسرح محمد شامل والمخرج والكاتب ‏ميشال هارون على "التياترو الكبير".‏

‏**‏

‏•حب وزواج وإعتزال في "التياترو الكبير"‏

وفي "التياترو"، كان قدر جديد في انتظارها، حيث تعرفت إلى الصحافي ‏والكاتب فاضل سعيد عقل الذي كان صديقاً لهارون وكان يصحح ‏نصوص مسرحياته لغوياً، وقد حضر يوما لمشاهدة تمارين إحدى ‏المسرحيات فأعجب بلمياء ، التي تمكنت من سرق إعجابه، فتزوجا ‏وأنجبا فتاة وحيدة هي كلودا، ولأجل زوجها تركت لميا عالم الفن ‏وتفرغت لمنزلها، لكن على رغم الحب الكبير، إنفصل الزوجان بعد سبع ‏سنوات، ليبقيا صديقين.‏

‏**‏

‏•العودة عن الإعتزال تلفزيونياً:‏

في هذا الوقت عاد إلى لبنان المخرج إلياس متى، بعدما أنهى

إختصاصه السينمائي في أميركا، وبدأ بالتحضير لبرامج تلفزيونية على ‏شاشة تلفزيون لبنان عام 1963، فزار لمياء بصحبة الصحافي نعيم ‏الزيلع لإقناعها بالعودة الى التمثيل، رفضت بداية، لكن محاولاتهما ‏تكررت، فاقتنعت أخيرا ونجحا في إعادتها مرة ثانية الى عالم التمثيل.‏

وفي العام 1965 وبعد ستة أعوام من بداية عصر التلفزيون في لبنان، ‏أطلت لمياء فغالي في أول عمل تلفزيوني لها مع الياس متى، وبدأت ‏مشواراً جديداً عبر الشاشة الصغيرة كان لزوجها السابق دور أساسي فيه، ‏بعد أن إنطلق نحو عالم تأليف وكتابة المسلسلات لتلفزيون لبنان، وكانت ‏هي تشارك في الكثير منها، حيث كان يكتب الأدوار الأكثر صعوبة ‏وتعقيداً.‏

وكان أول الغيث عام 1965 مع الدراما الاجتماعية "خطيئة أم" عرض ‏مباشرة على الهواء ولعبت فيه لميا فغالي دورا مركبا، ثم كانت "حكمت ‏المحكمة"، الذي قدم لها شهرة واسعة وكانت مع كل حلقة تتلبس دورا ‏جديدا ودائما الأصعب.‏

‏**‏

‏•"أبو ملحم" يطلق شهرتها:‏

لفتت لمياء أنظار الكاتب والفنان أديب حداد "أبو ملحم" فعرض عليها ‏المشاركة في برنامجه الشهير ليسند اليها الأدوار البارزة الموازية لأدوار ‏إيلي صنيفر، فكان أشهرها دور الخادمة "فابيولا" الغنوجة والمتطلبة ‏والمهضومة التي ترتدي المريول والكعب العالي وتجلس في الصالون ‏وتطلب من أهل البيت وبينهم أبو ملحم خدمتها، تحت نظرات الغضب ‏من قبل أم الملحم.‏

هذا الدور أطلق شهرتها عاليا وطبعها به حتى ان كثيرين صاروا ‏ينادونها "فابيولا"، وانطلقت لميا مع برنامج «أبو ملحم» لتجسد فيه ‏شخصيات مختلفة في حوالى 700 حلقة من الستينات وحتى الثمانينات.‏

‏**‏

‏•إنهيال العروض والأدوار المركبة:‏

الأدوار التي أدتها في برنامج "أبو ملحم" جعلها تجذب أنظار الكتاب ‏والمخرجين الكبار، فانهالت عليها عروض جديدة وكرت سبحة أعمالها ‏وأدوارها بين تلفزيون لبنان القناة 7 كما القناة 11 ومن أهمّها :"صندوق ‏الفرجة"، "فارس بني عيّاد"، "المنتقم"، "البؤساء"، "كانت أيّام"، "أديب ‏وقصّة"، "من يوم ليوم"، "الأخرس"، "الأبله"، "زنّوبيا"، "سمرا"، ‏‏"الحب الكبير"، "مجالس الأدب"، "حكمت المحكمة"، "المفتش" ، "لمن ‏تغني الطيور"، "الغرباء"، "ربيع"، "بنت البواب" "حنين"، وغيرها...‏

تميزت لمياء فغالي طيلة هذا المشوار الفني الحافل بالأدوار المركبة ‏والصعبة التي تمايزت بها، حيث أنها لم تحصر نفسها قي قالب تمثيلي ‏محدد، بل تعددت وتنوعت أدوارها لدرجة التناقض، ومن أبرزها: المرأة ‏الأرستقراطية، المتكابرة، الشريرة، العجوز الشمطاء والمتصابية، أي ‏تلك التي تعاكس شخصيتها الحقيقية، لكنها برعت أيضا في تجسيد ‏الشخصيات البسيطة المغلوب على أمرها، الزوجة والأم الحنونة، الجدة ‏أو الفلاحة الطيبة، الخادمة والنبيلة.‏

‏**‏

بإختصار لم تترك دورا أو كاراكتير إلا ومثّلته وأجادته، فقد عملت ‏بالأداء المباشر في تجسيد دراما من لحم ودم، لم تكن مجرد ممثلة عادية، ‏لا بل كانت موهبة كبيرة وكبيرة جدا، وصاحبة شخصية قوية وطيبة ‏وذكية، بالرغم من أنها لم تكن متخصصة في التمثيل، لكن بموهبتها ‏الفطرية وأدائها القوي فرضت نفسها كبيرة بين كبار حفروا أسماءهم في ‏سجلات كبار نجوم الدراما اللبنانية.‏

‏**‏

‏*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

23 نيسان 2022 17:27