زياد سامي عيتاني*
لمياء فغالي؛ ممثلة لبنانية من الجيل الرائد في الدراما التلفزيونية، منذ أسودها وأبيضها، وضعت بصمتها في الأداء التعبيري، والنطق السليم.
كانت عن جدارة سيدة الأدوار الصعبة؛ كان دائماً حضورها صاخباً قوياً، يغضبك، يستفزك، يشدك، وكيفما كان يجذبك ويسحرك.
هي فعلاً سجل ذهبي عابق بإبداع ممثلة إستثنائية، ما تمكنت السنون من محوه من ذاكرة المشاهد. وكيف يمكن أن يمحى؟ وهي التي آنست سهراته ولياليه، بما أبدعت به أداءاً وتعبيراً حتى الإبهار، من حضور تمثيلي، سواء في شرّها وكبرياؤها، أو في حنّيتها وطيبتها ودموعها.
لقد تركت لمياء فغالي أعمق البصمات في تاريخ الدراما اللبنانية، وبرعت في كل ما قدمته من شخصيات وأدوار تمثيلية...
بمناسبة ذكرى رحيلها، وتقديراً لمسيرتها الفنية، نعرض لجوانب منها، تحية لروحها:
**
لمياء فغالي هي ممثلة لبنانية من مواليد 6 آب عام 1924، هي شقيقة المطربة الأسطورة صباح، وهي أكبر اخواتها، نشأت في عائلة فنية وأدبية مليئة بالشعراء، حيث تلقت دروسها عند راهبات «القلبين الأقدسين» في التباريس في الأشرفية، وكانت تشارك بالأعمال المسرحية في أواخر السنة الدراسية، وكانت تلفت نظر الراهبات بأدائها المميز في التمثيل وتنال التهنئة.
وكانت لميا تستحي كتيراً، وكانت أمها تقول لها: "إحكي بس يجوا لعنا الناس، بكرا بيصيروا يقولوا عنك خرسا".
**
•بداية بالصدفة:
بدأت مشوارها الفني بالصدفة، عندما كانت في سن 14 عاماً حين جاء صديق العائلة الفنان المسرحي عيسى النحاس، وطلب من لمياء أن تلعب معه دوراً في مسرحية "جوالة" في إحدى الضيع اللبنانية، بدلاً من إحدى الممثلات التي تركت الفرقة فجأة بعدما تزوجت "خطيفة".
أربكها الطلب المباغت والسريع وخافت خوفاً شديداً، عندما تفاجأت بموافقة الأهل، وهي الفتاة الخجولة، فصار الجميع يشجعها، لا سيما وأنه يفصل بين الطلب والعرض المسرحي بضعة ساعات فقط.
فذهبت مع النحاس، وحفظت دورها في السيارة على الطريق المؤدية من المنزل إلى مكان العرض، إلى أن صعدت لأول مرة على تلك الخشبة الجوالة التي كانت تتنقل بين الضيع اللبنانية، وقدمت أداءاً ملفة فاجأ الجميع، إستحق التصفيق والإعجاب وصيحات «البرافو» التي بقيت ترن في أذنيها طويلاً...
وكانت هذه التجربة بمثابة الخطوة الأولى نحو قدر كبير ينتظرها لاحقاً، إذ أبقاها الفنان النخاس في مسرحه الجوال الذي يجوب القرى اللبنانية، إلى أن برزت كنجمة على المسرح وإتجهت إليها الأنظار من خلال ما كانت تقدمه من أدوار تمثيلية، فانطلقت وصارت مطلوبة وراحت العروض المسرحية تنهال على الممثلة الصغيرة، لتشارك في عشرات المسرحيات في فرقة بيروت وفي مسرح محمد شامل والمخرج والكاتب ميشال هارون على "التياترو الكبير".
**
•حب وزواج وإعتزال في "التياترو الكبير"
وفي "التياترو"، كان قدر جديد في انتظارها، حيث تعرفت إلى الصحافي والكاتب فاضل سعيد عقل الذي كان صديقاً لهارون وكان يصحح نصوص مسرحياته لغوياً، وقد حضر يوما لمشاهدة تمارين إحدى المسرحيات فأعجب بلمياء ، التي تمكنت من سرق إعجابه، فتزوجا وأنجبا فتاة وحيدة هي كلودا، ولأجل زوجها تركت لميا عالم الفن وتفرغت لمنزلها، لكن على رغم الحب الكبير، إنفصل الزوجان بعد سبع سنوات، ليبقيا صديقين.
**
•العودة عن الإعتزال تلفزيونياً:
في هذا الوقت عاد إلى لبنان المخرج إلياس متى، بعدما أنهى
إختصاصه السينمائي في أميركا، وبدأ بالتحضير لبرامج تلفزيونية على شاشة تلفزيون لبنان عام 1963، فزار لمياء بصحبة الصحافي نعيم الزيلع لإقناعها بالعودة الى التمثيل، رفضت بداية، لكن محاولاتهما تكررت، فاقتنعت أخيرا ونجحا في إعادتها مرة ثانية الى عالم التمثيل.
وفي العام 1965 وبعد ستة أعوام من بداية عصر التلفزيون في لبنان، أطلت لمياء فغالي في أول عمل تلفزيوني لها مع الياس متى، وبدأت مشواراً جديداً عبر الشاشة الصغيرة كان لزوجها السابق دور أساسي فيه، بعد أن إنطلق نحو عالم تأليف وكتابة المسلسلات لتلفزيون لبنان، وكانت هي تشارك في الكثير منها، حيث كان يكتب الأدوار الأكثر صعوبة وتعقيداً.
وكان أول الغيث عام 1965 مع الدراما الاجتماعية "خطيئة أم" عرض مباشرة على الهواء ولعبت فيه لميا فغالي دورا مركبا، ثم كانت "حكمت المحكمة"، الذي قدم لها شهرة واسعة وكانت مع كل حلقة تتلبس دورا جديدا ودائما الأصعب.
**
•"أبو ملحم" يطلق شهرتها:
لفتت لمياء أنظار الكاتب والفنان أديب حداد "أبو ملحم" فعرض عليها المشاركة في برنامجه الشهير ليسند اليها الأدوار البارزة الموازية لأدوار إيلي صنيفر، فكان أشهرها دور الخادمة "فابيولا" الغنوجة والمتطلبة والمهضومة التي ترتدي المريول والكعب العالي وتجلس في الصالون وتطلب من أهل البيت وبينهم أبو ملحم خدمتها، تحت نظرات الغضب من قبل أم الملحم.
هذا الدور أطلق شهرتها عاليا وطبعها به حتى ان كثيرين صاروا ينادونها "فابيولا"، وانطلقت لميا مع برنامج «أبو ملحم» لتجسد فيه شخصيات مختلفة في حوالى 700 حلقة من الستينات وحتى الثمانينات.
**
•إنهيال العروض والأدوار المركبة:
الأدوار التي أدتها في برنامج "أبو ملحم" جعلها تجذب أنظار الكتاب والمخرجين الكبار، فانهالت عليها عروض جديدة وكرت سبحة أعمالها وأدوارها بين تلفزيون لبنان القناة 7 كما القناة 11 ومن أهمّها :"صندوق الفرجة"، "فارس بني عيّاد"، "المنتقم"، "البؤساء"، "كانت أيّام"، "أديب وقصّة"، "من يوم ليوم"، "الأخرس"، "الأبله"، "زنّوبيا"، "سمرا"، "الحب الكبير"، "مجالس الأدب"، "حكمت المحكمة"، "المفتش" ، "لمن تغني الطيور"، "الغرباء"، "ربيع"، "بنت البواب" "حنين"، وغيرها...
تميزت لمياء فغالي طيلة هذا المشوار الفني الحافل بالأدوار المركبة والصعبة التي تمايزت بها، حيث أنها لم تحصر نفسها قي قالب تمثيلي محدد، بل تعددت وتنوعت أدوارها لدرجة التناقض، ومن أبرزها: المرأة الأرستقراطية، المتكابرة، الشريرة، العجوز الشمطاء والمتصابية، أي تلك التي تعاكس شخصيتها الحقيقية، لكنها برعت أيضا في تجسيد الشخصيات البسيطة المغلوب على أمرها، الزوجة والأم الحنونة، الجدة أو الفلاحة الطيبة، الخادمة والنبيلة.
**
بإختصار لم تترك دورا أو كاراكتير إلا ومثّلته وأجادته، فقد عملت بالأداء المباشر في تجسيد دراما من لحم ودم، لم تكن مجرد ممثلة عادية، لا بل كانت موهبة كبيرة وكبيرة جدا، وصاحبة شخصية قوية وطيبة وذكية، بالرغم من أنها لم تكن متخصصة في التمثيل، لكن بموهبتها الفطرية وأدائها القوي فرضت نفسها كبيرة بين كبار حفروا أسماءهم في سجلات كبار نجوم الدراما اللبنانية.
**
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.