في الشكل كان مفاجئًا إصرار الثنائي الشيعي، أي الرئيس نبيه بري ونواب "حزب الله" على التمسك بنصوص الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب (مثل كيفية انتخاب أميني السر وغيرها من نقاط السجال في الجلسة) مقابل تنصّل نواب يسمّون أنفسهم "سياديين" أو "تغييريين" من هذه النصوص، بحجة تفادي "طول الوقت "أو "الأعراف الطائفية"، خلافًا لزمن مضى كان فيه الدستور قبلة السياديين مقابل تجاهل متعمّد من قبل الثنائي ، أو "حزب الله" على نحو خاص.
ولعل أبرز تعبير كاريكاتوري عن هذا المتغيّر في البرلمان الجديد تحوّل النائبين حسن فضل الله وعلي عمار الى فقيهين في الدستور والنظام الداخلي، مقابل "العرض" الذي قدّمه النائب أشرف ريفي وهو يشمّر عن زنوده تحت قبّة البرلمان.
أما في المضمون فقد كانت الصدمة أكبر مع إعلان نتائج انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه . ذلك أن انتخاب بري منذ الدورة الأولى بـ65 صوتًا أثار أول سؤال عن هوية الأكثرية النيابية الجديدة التي طالما تبارى "السياديون" في تأكيد الحصول عليها. أما تبرير بعضهم لهذه النتيجة من باب أن بري المرشح الشيعي الوحيد في ظل "البلوك" المقفل (27 مقعداً شيعيًا للثنائي) فلا يعفيهم من السؤال نفسه ، لأن الرئيس سعد الحريري عندما كان يشارك في الانتخابات تمكّن في أكثر من دورة من خرق هذا" البلوك " بواسطة نواب شيعة: غازي يوسف وعقاب صقر، وأمين وهبي.
ربّ قائل أن ما حصل جاء نتيجة تصويت كتلة "اللقاء الديمقراطي" لبري بحكم العلاقة التاريخية بين الأخير ورئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي "وليد جنبلاط. لكن نتائج إنتخابات نائب رئيس المجلس تدحض هذه المقولة باعتبار أن كتلة جنبلاط صوّتت لمرشح "السياديين" النائب غسان سكاف، فأين هي الأصوات المتبقية التي تشكّل بمجموعها كتلة الأكثرية المزعومة؟
عندما جرى تسريب جدول بالتوزيع السياسي للكتل الجديدة، عقب صدور نتائج الإنتخابات النيابية، وجاء فيه أن "حزب الله" وحلفاءه حصدوا 68 مقعدًا مقابل 60 مقعدًا لمناوئيهم، سارع أكثر من قطب "سيادي" الى نفي الأمر ليشهد اللبنانيون أطول مباراة في عدّ الأصوات وعدد أعضاء الكتل، قبل أن يكون امتحان جلسة الثلثاء "أصدق إنباء" من الإحصاءات.
وتأتي النتيجة واحدة للثلاثة الفائزين الرئيس بري ونائب الرئيس الياس بو صعب وأمين سر هيئة المكتب آلان عون: 65 صوتًا.
طبعًا هذا العرض ليس من باب الشماتة لا قدّر الله، ولا من باب المزايدة وهي من اختصاص آخرين، وإنما من باب التذكير بشعارات و"نتائج" ضلّلت اللبنانيين والعرب والعالم، وعرّضت مصداقية سفراء ودول وكبريات الصحف ومحطات التلفزة في العالم مثل الـCNN وغيرها للأذى.
وبعيدًا عن الأرقام والمناكفات التي شهدتها الأيام القليلة الماضية داخل الفريق "السيادي" بين "الإشتراكي" و"القوات اللبنانية" و"الكتائب" و"المستقلين"، فإن ما جرى يثبت بالوجه الشرعي أن هذه المناكفات هي التي أضعفت ١٤ آذار في السنوات الماضية وما زالت حيّة تُرزق ، وليس "ضعف" أحد أقوى أركانها كما يزعم بعضهم ، وهو عازف اليوم عن المشاركة في العمل السياسي والإنتخابي .
كما أن انقسام الفريق "التغييري" حول انتخاب نائب رئيس المجلس، باعتراف أحد نوابه، دليل آخر على انتقال هذا الانقسام من الشارع الى داخل البرلمان .
أما من زايدوا على رجل صدق مع نفسه ومع الناس ومع العرب والعالم ، قبل عزوفه عن المشاركة في الانتخابات وبعده، فالحكم عليهم للتاريخ.
عشتم وعاشت الانتخابات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.