عودة ذكرى ثورة 14 آذار تأتي هذا العام في حُلّة جديدة، وفي ظروف تؤكد كلها أن الربيع اللبناني، وهو أم الثورات العربية، لم ينتهِ. فالظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية التي أملت تلك الانتفاضات ما زالت موجودة. بمعنى آخر أن الصراع بين تطلعات الشعوب العربية وبين الأنظمة الاستبدادية لم يقضِ ولم يمُت ولم يُدفَن لا في سوريا ولا في ليبيا ولا في اليمن ولا مؤخراً في السودان والجزائر. إنه الشعب العربي، المارد الذي حطّم قمقمه وتفجّر في الشوارع بتظاهراتٍ سلمية مثالية تطالب بالحريات وبإرادتها في صناعة مصيرها.
حتى في سوريا ها هي شُعلة الانتفاضة في درعا مهد الربيع السوري ترتفع بعد أن ظنها كثيرون قد انطفأت تحن رمادها. فتَحت رماد الشعوب جمرٌ وما بدأ معها ليس برسم الانتهاء أو القبول بالأمر الواقع والخضوع، واستبدادية نظام الأسد: حركة استفزازية أقدم عليها بشار بإعادة تمثال والده في درعا، ألهبت الجماهير، فخرجوا في تظاهرات سلمية، تذكر بانتفاضتهم السابقة عام 2011: سلمية، لا طائفية، وطنية، ترفع شعارات منها "انقلع يا بشار" أي "إرحل". إنها شعلة الأمل من تحت تراب مقابر الشهداء والأطفال والمقاتلين الذين قتلهم الأسد مستنجداً بقوىً خارجية لقمع شعبه: من حزب إيران، ولافتته المذهبية حماية مقام السيدة زينب ليشارك في مقاومة الثوار ويتواطأ أو يساهم لارتكاب المجازر الجماعية وتهجير الملايين وتدمير الحضارة العربية في البلد الشقيق ومحو كل ما هو أثر عربي إسلامي، كل ذلك خدمةً لإيران سليماني، وفيلق القدس، والحرس الثوري.
والغريب أن الأسد الذي لا يمتلك حالياً من السلطة، سوى قليلها، بوجود خمسة جيوش أجنبية، ما زالت تتصارع في بلاده: الولايات المتحدة، إيران، روسيا، تركيا، وإسرائيل. ولكل منها حصتها ومنطقتها وموقعها خارج سلطته. ومع هذا ها هو يطمح إلى الدخول مجدداً إلى المعادلة السياسية اللبنانية عبر بعض عملائه المعروفين وعبر حلفه مع حزب إيران.
رئيس بلا سيادة، وسيادة بلا رئيس. رئيس بلا جمهورية، وجمهورية بلا رئيس. رئيس بلا شعب، وشعب بلا رئيس. رئيس خاضع للخارج وشعب ما زال متمسك بسيادته. رئيس يريد استعادة سلطته ورموزها في وقتٍ تبدو سلطته محدودة في بلده بين اللاعبين الكبار. رئيس يُريد تكرار ما صنع الثورة من دستورٍ على قياسه وانتخاباتٍ شكلية وأجهزة مشكوكٌ بها. كيف يمكن أن يتم انتخاب رئيس؟ (إذا حصل ذلك)، ونصف شعبه مشرد في جهات الأرض الأربعة. كيف يمكن أن يكتسب شرعية وهو يرفض إرجاع ملايين النازحين لإدامة ديموغرافية تهجير منهجي. والقبول بعوداتٍ انتقائية نسبية ليؤمن بها فوزه. لكن يفوز على من؟ وأي آلياتٍ انتخابية يمكن أن تكون شرعية أو مقبولة في ظل حكمٍ تسبب بقتل 500.000 سوري.
فلماذا لا يعتمد أن ينتخبه الموتى بدل الأحياء؟ وعندها قد يفوز بأصواتهم أكثر. إنه يعامل العائدين من شعبه إلى سوريا كما يعامل الموتى. فهؤلاء موتى، مصيرهم ربما أن ينتخبوه تحت ضغوط التهجير والسجن والتعذيب والقتل.
لكن النظام الميت، ما زال ينتظره شعب حي بأحلامه وشجاعته ومقاومته. وكل حديث عن نهاية الصراع في سوريا هو "حديث خرافة" بل حديث من لم يتبقّ من بلادهم له سوى الحطام والخيبة والخوف.
شُعلة درعا دليل على أن هذا الشعب ينبعث من تحت الرماد اليوم وغداً وبعد مئة عام.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.