كتب جورج بكاسيني
لم تدُم "سالفة" أن الرئيس سعد الحريري "سلّم" البلد الى "حزب الله" طويلاً. ربما هي استمرّت أكثر من خمس سنوات، لكنّها فترة قصيرة في عمر الشعوب . ذلك أن النتائج التي نجمت عن جلستَي مجلس النواب الجديد، الأولى لانتخاب رئيس ونائب ورئيس وهيئة مكتب المجلس والثانية لانتخاب رؤساء اللجان النيابية ومقرّريهم، كافية، لا بل موثّقة بالصوت والصورة، لدحض "السالفة" الآنفة الذكر ، ولتحويل أصابع "الاتّهام" الى أحزاب وجهات وشخصيّات أخرى ارتكبت هذا "الفعل المُشين".
أسابيع قليلة منذ انتهاء دورة الإنتخابات النيابية كانت كفيلة بفضح "طابخ السمّ".. و"آكِله ". فالرئيس الحريري الذي عَزَف عن المشاركة في هذا الاستحقاق لم يعُد له أثر أو كلمة أو دور في البرلمان الجديد. كما يعرف القاصي والداني أنه بحُكم قرار العزوف، وفوق ذلك وجوده خارج لبنان، هو بعيد تماماً عن مجريات العملية السياسية في بيروت. وبالتالي أصبح من نافل القول السؤال عمّن "سلّم" البلد الى "حزب الله" في الجلستين المشار إليهما ، خصوصاً أن نتائج الاولى جاءت بوضوح الشمس لصالح "حزب الله" وحلفائه، فيما أتت نتائج الثانية صاعقة و"طابشة" لصالح الفريق المذكور.
لم يكتفِ رافعو شعار "السيادة" أو "مواجهة" حزب الله بتسليمه وحلفائه المواقع الرئيسية في البرلمان الجديد، من رئيس الى نائب رئيس الى هيئة المكتب الى رؤساءاللجان ومُقرّريهم.
هم عقدوا "الصفقات" و"التسويات"، فوق الطاولة وتحتها، مع الفريق "غير السيادي" من أجل حفنة من المواقع (رؤساء اللجان) لم تبلغ عدد أصابع اليد الواحدة، حتى إذا استنكر بعض نواب "التغيير" اللجوء الى هذه "التسويات" خوّنوهم واتّهموهم بـ"تسليم الأكثرية الى حزب الله".
هذا غيض من فيض ما عكسته مواقع التواصل الاجتماعي يوم أمس واليوم، وقد فاضت بالتعليقات الساخرة من صور "الودّ" أو "تبادل التهاني" بين طرفي "تفاهم معراب" خلال جلسة انتخاب رؤساء اللجان نفسها، التي لم تخلُ من "صور تذكارية" التقطها نواب "التيار" و"القوات" وهم يتطابقون بلون اللباس أيضا (فساتين حمراء) كما لو أنّهن في جلسة "فالنتاين ".
طبعاً "الخير لقدام"، على ما يقول العارفون بما سيؤول إليه استحقاق تكليف رئيس حكومة وتشكيل حكومة جديدة، وبالتالي انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وربما لهذا السبب استبق بعض مُدّعي رفض "تسليم البلد الى حزب الله" الاستحقاق الأول بالتلويح برفض المشاركة في الحكومة العتيدة، وبنيّة منع انتخاب رئيس جمهورية "غير سيادي" بحكم امتلاكه "الثلث المعطّل"، في الاستحقاق الثاني.
لكن بالعودة الى الشعارات الانتخابية، ولمّا يزل جزء كبير منها يملأ الطرقات على الجانبين، لم ترِد أيّة إشارة الى رفض المشاركة في السلطة، أو التسلّح بما يُسمّى "الثلث المُعطّل". ما جاء في هذه الشعارات وفي المواقف التي واكبتها كان معاكساً تماماً، مع تأكيد النيّة على انتزاع السلطة من أيدي "حزب الله" عن طريق "أكثرية جديدة" تحكم لوحدها رفضاً لحكومات "الوحدة الوطنية". كما أطرب المُدّعون الناخبين برفضهم المتواصل لتجربة التعطيل و"الثلث المعطّل".. ومعهما "الفراغ".
فماذا تعني التلميحات المشار إليها سوى العودة الى التعطيل والفراغ، وما بينهما المزيد من الانهيار والتحلّل؟ وماذا يعني رمي المسؤولية، هذه المرّة، على "التغيريين"، بعد أن كانوا يرمونها على الحريري في الماضي؟ وعلى أيّة قاعدة احتسب "السياديون" "التغييريين" ضمن حصّتهم أو فلكهم السياسي، أو ظنّوا أنّهم وإيّاهم يُشكّلون "الأكثرية الجديدة"، وقد ترشّح "التغييريّون" أساساً ضد "السياديين" وغيرهم تحت شعار "كلّن يعني كلّن"؟
هل ثمّة من يسأل بعد: من سلّم البلد الى "حزب الله"؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.