كتب جورج بكاسيني
كل المؤشّرات التي رافقت خطاب " القوات اللبنانية" منذ ثورة ١٧ تشرين ، أنبأت بحضور أكبر لها في العملية السياسية التي ستلي الانتخابات النيابية ، التي مهّدت لها بحملة غير مسبوقة بدت كما لو أنها فاصل بين زمنين ، أو على الأقلّ بين "الحق "و"الباطل" .
هي تقذّمت على الثوار بشعار " الانتخابات النيابية المبكرة" ، مستعينة بكل ديمقراطيات الكوكب للتدليل على أهمية هذا الإستحقاق و"مفصليته". كما رسمت صورة لبنان "الجديد" من خلال أكبر رزمة شعارات طالت كل نواحي السيادة والاقتصاد والإجتماع ، وتوّجتها بعنوان "نحنا فينا" من أجل مزيد من التوكيد على ما تريد .
لكن بمجرّد خسارة الأساس الذي ارتكزت عليه " القوات" ، أي الأكثرية النيابية الموعودة ، انتقلت مباشرة الى مربّع الإنكفاء عن المشاركة في العملية السياسية . وعادت لتقدّم نفسها بوصفها " معارضة" ، لا بل "أكبر كتلة معارضة" في المجلس .
رفضت بدايةً تسمية رئيس لمجلس النواب ، مستعينةً بأعذار وذرائع تجاهلت تماماً خطاب ما قبل الإنتخابات النيابية . ثم رفضت تسمية رئيس للحكومة خلال الإستشارات النيابية الملزمة لتتوّجه اليوم ، خلال الإستشارات النيابية غير الملزمة ، برفض مماثل للمشاركة في الحكومة .
أما الذريعة الجديدة لرفض تسمية هذا وذاك فكانت هذه المرّة الرهان على الإنتخابات الرئاسية .
ماذا يعني هذا المسار سوى " تعليق" القوات عملها السياسي ؟ هل ثمة إسم آخر لهذه النتيجة ؟ وكيف يكون تعليق العمل السياسي إذا لم يكن على قياس أجندة معراب ؟ هل هذا اعتراف بالعجز عن إحداث أي تغيير في المسار السياسي ؟ أم مراجعة سريعة أعادت هذا الحزب الى أرض الواقع بعد أن حلّق بعيداً في فضاء الأحلام والأوهام ؟ أم قراءة في مستجدّات الإقليم دفعه الى الإنكفاء؟
الحقيقة أن متتبّعي الخط السياسي البياني ل" القوات اللبنانية" منذ عقود من الزمن يدركون تماماً أن الأسئلة المشار إليها لا تفي بواقع الحال . كما يدركون أن الشعارات التي أطلقتها " القوات" والتي انطلت على شريحة من الرأي العام اللبناني من جهة ، وعلى دول عربية وأجنبية من جهة ثانية ، كانت مجرّد غطاء ( أو تمويه) لهدف آخر هو باختصار التقدّم على التيار "الوطني الحرّ" شعبياً من خلال الإستحقاق النيابي لا أكثر ولا أقل .
ولعلّ أبرز تعبير عن هذه الحقيقة ما سُرّب بفيديو بصوت النائب ستريدا جعجع وصورتها ، عندما قالت لزوجها الدكتور سمير جعجع ليلة صدور نتائج الإنتخابات : " مبروك يا تقبرني .. بعد تلاتين سنة "، وكانت بذلك تهنئ زوجها على التقدّم على التيار الوطني الحرّ (بنائب واحد ) للمرّة الأولى منذ اندلاع الصراع بين الجانبين .
عبارة ستريدا اختصرت هاجس سمير المزمن ، وقد تحوّل الى هدف لا يتقدّم عليه أي هدف آخر ، بما في ذلك السيادة والاستقلال ونزع سلاح "حزب الله" .
هذا هو التفسير الدقيق لانكفاء "القوات" عن المشاركة في العملية السياسية التي طالما كانت في مقدمة الساعين إليها . أن تتقدّم شعبية " القوات" على شعبية "التيار" هي البداية والنهاية ، وقد أدّت قسطها للعلى .
لكل طائفة في لبنان " نصرها الإلهي" . هذا هو نصر الموارنة " الإلهي" .. وكل إستقلال واللبنانيون بخير.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.