4 تموز 2022 | 13:35

منوعات

‏ الحج قديماُ‎..‎‏ كسوة الكعبة صُنعت في مصر ثم السعودية

زياد سامي عيتاني*




تعد كسوة الكعبة المشرفة من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، وهي كساء من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن من ماء الذهب، تكسى به الكعبة ويتم تغييرها مرة في السنة، صبيحة يوم عرفة.

ويرتبط تاريخ المسلمين بكسوة الكعبة المشرفة وصناعتها، حيث برع فيها أكبر فناني العالم الإسلامي.

ويجري مراسم إستبدال الكسوة بعد صلاة فجر يوم التاسع من شهر ذي الحجة.

**

•النبي كساها في حجة الوداع:

وتأتي الحكمة من كسوة الكعبة أنها شعيرة إسلامية ، وهي إتباع لما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام من بعده. فقد ورد أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين.

وجاء الخلفاء الراشدون من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بكسوتها بالقباطي والبرود اليمانية، ثم كساها عثمان بن عفان رضي الله عنه بكسوتين أحدهما فوق الأخرى فكان هذا العمل الأول من نوعه في الإسلام.

**

•كسوة الكعبة أيام الجاهلية:

ويعود تاريخ كسوة الكعبة لما ذكر عن "عدنان بن إد" الجد الأعلى للرسول، هو واحد ممن كسوها، وقيل أن "تبع الحميري" ملك اليمن هو أول من كساها في الجاهلية بعد أن زار مكة، وهو أول من صنع للكعبة باباً ومفتاحاً.

وبعد "تبع الحميري" كساها الكثيرون في الجاهلية، حتى آلت الأمور إلى "قصي بن كلاب" الجد الرابع للرسول، والذي قام بتنظيمها بعد أن جمع قبائل قومه تحت لواء واحد وعرض على القبائل أن يتعاونوا فيما بينهم كل حسب.

حتى ظهر أبو ربيعة عبد الله بن عمرو المخزومي، وكان تاجراً ذا مال كثير وثراءٍ واسعٍ، فأشار على قريش أن: أكسوا الكعبة سنة وأنا اكسوها سنة، فوافقت قريش على ذلك، وظل كذلك حتى مات وتوارثت قريش هذا العمل حتى فتح مكة.

**

•الكسوة خلال الدولة الإسلامية:

ثم جاء عهد الدول الإسلامية، وظهور الكتابة على الكسوة، وفي عصر الدولة الأموية كسيت الكعبة كسوتين في العام: كسوة في يوم عاشوراء، والأخرى في آخر شهر رمضان إستعداداً لعيد الفطر.

وحافظ خلفاء بنو أمية على تقاليد كسوة الكعبة فكانوا يكسونها من بيت مال المسلمين في المرة الأولى من الديباج الخراساني، والثانية من القباطي.

وإستمرت الكعبة تُكسا مرتين في السنة في عهد العباسيين حتى جاء الخليفة العباسي المأمون، فرُفِع إليه أن الديباج يبلى ويتخرّق قبل بلوغ عيد الفطر، فأمر بأن تكسا الكعبة ثلاث مرات في السنة: الأولى بالديباج الأحمر يوم التروية، والثانية بالقباطي يوم هلال رجب، والثالثة بالديباج الأبيض وتكسا به يوم 27 رمضان.

وقد تغير لون كسوة الكعبة عدة مرات خلال الحقبة العباسية، فكُسيت بالديباج الأحمر والأبيض، ثم كُسيت بالديباج الأصفر ثم بالديباج الأخضر، ولما تولى الخلافة الناصر لدين الله أبوالعباس أحمد (575هـ – 622هـ) كساها بالديباج الأسود وإستمر حتى اليوم.

ونافس الفاطميون خلفاء بني العباس على كسوة الكعبة منذ سيطرتهم على مصر سنة 362 هـ/ 973 م، إذ أمر المعز لدين الله الفاطمي بعمل كسوة الكعبة في مصر وإرسالها باسمهم إلى مكة، وكانت هذه الكسوة مربعة الشكل من ديباج أحمر وفي حوافها 12 هلالاً ذهبياً، وفيها ياقوت أحمر وأصفر وأزرق، ومنقوش عليها بحروف من الزمرد الأخضر المزين بالجواهر الثمينة.

وكان الظاهر بيبرس البندقداري أول من كساها من ملوك مصر المملوكية.

وكسوة الكعبة المشرفة في العصر المملوكي كانت من حرير أطلس، سوداء حالكة شعار العباسيين ومبطنة بالكتان، وكان يكتب عليها آيات الحج مطرزة بكتابة بيضاء فى النسيج ذاته وفي أعلاها مكتوب بالتطريز إسم السلطان، ثم تحولت الكتابات إلى اللون الذهبي منذ عصر السلطان الظاهر فرج بن برقوق وحتى الآن.

لم يحل سقوط دولة المماليك في مصر وخضوعها للدولة العثمانية دون إستمرار مسيرة مصر في كساء الكعبة المشرفة. ففي العام التالي للفتح العثماني وفي يوم الإثنين (12 من رمضان) عرض والي مصر كسوة الكعبة المشرفة وقد تناهوا في زركشة برقع كسوة الكعبة المشرفة وملحقاتها على خلاف المعتاد، وأقيم إحتفال كبير بالقلعة من أجل هذه المناسبة.

وفي أثناء إقامة السلطان سليم الأولفي مصر إهتم بإعداد كسوة الكعبة، وكسوة الحجرة النبوية الشريفة، وكسوة مقام إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد بالغ في زركشتها.

وكان السلطان سليم الأول قد أقر وقف السلطان الصالح إسماعيل بن قلاوون المخصص لكسوة الكعبة، أما السلطان سليمان القانوني فقد رأى عدم وفاء هذا الوقف بإلتزامات الكسوة فقرر وقف سبع قرى أخرى عليها، ليصير بذلك إجمالي القرى الموقوفة على كسوة الكعبة تسع قرى.

وبعد عصر السلطان سليمان القانوني كان كل سلطان يتولى عرش الدولة العثمانية يقوم بإهداء كسوة جديدة للكعبة المشرفة، وترسل بإنتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصري.

وعندما تولى محمد علي باشا حكم مصر قام بإرسال أول كسوة للكعبة في عهده في (ذي القعدة 1220هـ يناير 1806م)، ثم توالى إرسالها حتى حدث الاصطدام بين الوهابيين في الأراضي الحجازية وقافلة الحج المصرية في عام (1222 هـ=1807م) حيث توقفت مصر عن إرسال الكسوة مدة ست سنوات حتى استقرت الأمور في الحجاز، ولم ترسل للكعبة المشرفة كسوة من مصر إلا في (شوال عام 1228هـ=1813م)، على الرغم من عملها كسوة في عام (1223هـ) ولكنها لم ترسلها، وظلت محفوظة طيلة هذه المدة إلى أن قرر (محمد علي) السفر إلى الأراضي الحجازية بنفسه.

وكانت كسوة الكعبة قد انتهى أمر صناعتها إلى دار كسوة الكعبة المشرفة في حي الخرنفش بالقاهرة، وذلك بعد أن طافت بأماكن كثيرة نالت شرف صناعة الكسوة الشريفة بها، مثل دمياط والإسكندرية، والقلعة ودار الخرنفش، وأيضا المشهد الحسيني بالقاهرة.

ظل خلفاء محمد علي من بعده محافظين على إرسال الكسوة إلى مكة كل عام، ولم تتوقف مصر عن إرسال الكسوة سوى مرات قليلة كانت بسبب الحرب العالمية الأولى، ومرة ثانية بسبب أزمة نشبت بين مصر وحكومة السعودية، خلال الفترة من 1926 و1936م.

**

•الكسوة السعودية:

بحلول عام 1962م، بدأ الدور السعودي في كسوة الكعبة المشرفة، بعد أن كلف الملك عبد العزيز آل سعود إبنه الأمير فيصل في عام 1927م بأن يشرف بنفسه على إنشاء مصنع لصناعة كسوة الكعبة، فتم إنشاء مصنع أجياد كأول مصنع سعودي لكسوة الكعبة المشرفة، وكان أغلب العاملين به من الفنيين الهنود مع بعض السعوديين.

وفي عام (1397هـ1977م) أنشأت السعودية مصنعاً جديداً لكسوة الكعبة بمنطقة أم الجود بمكة المكرمة، وزودته بأحدث الإمكانيات اللازمة لإنتاج الكسوة، مع الإبقاء على أسلوب الإنتاج اليدوي لما له من قيمة فنية، ومصنع أم الجود ما زال مستمرا حتى الآن في نيل شرف

**

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

4 تموز 2022 13:35