جورج بكاسيني

14 تموز 2022 | 20:24

كتب جورج بكاسيني

الإنتحار فوق ركام الإنهيار!


في شهوره القليلة الأخيرة ، لا يتورّع العهد الراحل عن الإستمرار في اللجوء الى كل ما قاد البلاد الى الإنهيار . لا تبدو الشهور الثلاثة المتبقّية كافية لإجراء مراجعة للسياسات التي ضربت الجمهورية من الوريد الى الوريد ، أو الى تعديل على الأقل يوحي بأن شيئاً قد تغيّر ، وقد بدا العهد الراحل ، هو نفسه ، عصيًاً على "التغيير والإصلاح" .

خُيِّل للبنانيين أن ما بعد ١٧ تشرين والإنهيار والانفجار كان عبارة عن زلزال غير مسبوق يقتضي اللجوء الى سياسات وتضحيات غير مسبوقة . لكن العهد المذكور لم يجد الى ذلك سبيلاً ولا توقّف عند ما جرى وما زال يجري ، منحصّناً بانفصال دراماتيكي عن الواقع ، تماماً كما هو يقارب ملف تشكيل الحكومة اليوم .

فإذا عاد أحدنا الى بيانات رئاسة الجمهورية قبل الإنهيار ، وجد نسخةً طبق الأصل عنها بعده : "شراكة دستورية"، المادة ٥٣ من الدستور ، "صلاحيات رئيس الجمهورية".. الى ما هنالك من مصطلحات شكّلت القاموس "الذهبي" للعهد الراحل . وواقع الحال أن القاموس المشار إليه ينتمي الى كوكب آخر لا صلة له البتّة بواقع الإنهيار أو الدمار الشامل الذي أصاب اللبنانيين من الناقورة الى النهر الكبير .

عن أي صلاحيات يتحدث بيان القصر المهجور ( قبل أن يُخليه سكانه ) ، ومئات آلاف موظفي الدولة يُضربون عن العمل ، وودائع اللبنانيين في مهبّ الريح وخبزهم اليومي تحت رحمة جشع المافيات وصولاً الى حرب أوكرانيا ؟

وبأية مادة دستورية يتلطّى البيان الذي لم يسقط سهواً فوق رؤوسنا ، وعدّاد قوارب الموت يرتفع ، تماماً كعدد الأزمات المتناسلة التي تحاصر اللبنانيين من الجهات الأربع ؟

ما هي الجريمة النكراء التي ارتكبها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ، وقد أقدم على ما فعله أسلافه بتقديم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور نفسه الذي تحصّن به بيان القصر ؟

هل كُتِب على كل رئيس مكلّف ، في هذا العهد الميمون ، أن يتلقّى الإهانة تلوَ الإهانة والبدعة تلوَ البدعة لمجرّد أن قدّم تشكيلة حكومية لا تفي بشؤون "الطاقة" وشجونها ؟

رُبّ قائل أن ساكن القصر لم يسلك طريق التواضع السياسي عندما كان عهده لا يزال في "ريعان شبابه"، وهو محاط بشعار " الرئيس القوي" من كل حدب وصوب . لكن ألا يجدر بصاحب العهد الراحل وقد بلغ قبل ثلاثة شهور من نهايته ذروة شيخوخته ، أن يترأّف ب"آخرته" أولاً قبل أن يترأّف بما تبقّى للبنانيين ؟

ما نشهده اليوم لا ينتمي الى عالم السياسة ، ولا الى هندسات لحفظ ماء الوجه كما في ختام كل العهود . إنه الغرق من دون سفينة ، والإرتطام من دون مقود سيارة .

إنه الإنتحار فوق ركام الإنهيار .

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

جورج بكاسيني

14 تموز 2022 20:24